فصل: النظر الثاني، في أحكام القسمة

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


النظر الثاني، في أحكام القسمة

وهي ثلاثة أقسام‏:‏

القسم الأول‏:‏ في التداعي في القسمة، في الكتاب‏:‏ إذا ادعى بعد القسم غلطًا مضى القسم ويحلف المنكر لأن الأصل‏:‏ عدم الغلط إلا أن تقوم بينة أو يتفاحش الغلط فينتقض لعدم الرضا به، وقال الشافعية‏:‏ إذا قلنا هي بيع‏.‏ لا تنفع دعوى الغلط، ولو ادعى دخول ثوب في قسمه لم ينتفض إذا أشبه قسم الناس، وحلف المنكر، وكذلك إذا تكافأت بيناتهما لأن الأصل عدم الاختلاط والغلط، وليس كمن باع عشرة فقبضها المبتاع ثم ادعى البائع الغلط بالعاشر، إن كانت قائمة انتفض البيع بعد أيمانهما بخلاف القسم لاتفاقهما في البيع على عدم دخوله في البيع، والأصل‏:‏ عدم العد، وإن، ولو اقتسما دارًا فتداعيا بيتًا ليس بيد أحدهما تحالفا وتفاسخا لعدم تعينه لأحدهما، ومن حاز البيت أو أقام بينة صدق لرجحان حجته، ومن لزمته يمين فنكل لم يقض لغريمه حتى يحلف ليكمل السبب، ولو قال كل واحد‏:‏ الساحة من هنا ورفع إلى جهة صاحبه، إن اقتسما البيوت على حدة والساحة على حدة تحالفا وفسخ قسم الساحة وحدها لعدم تعين القسم فيها على حالة وإن جمعها القسم تراضيًا فسخ الجميع ان حلفا لعدم رجحان أحدهما قال ابن يونس‏:‏، قال أشهب‏:‏ لا يمين على منكر الغلط كالكاتب على نفسه ذكر حق، ثم يدعي الغلط في المحاسبة، قال ابن حبيب‏:‏ إذا ادعى الغلط بعد القسم وإن اقتسموا بالتراضي بغير سهم وهم جائزوا الأمر لا ينظر إلى دعوى الغلط كان ببينة أو بغيرها؛ لأنه كبيع التساوم، ويلزم فيه الغبن؛ فإن اقتسموا بالقرعة قبل قوله بالبينة وبتفاحش الغلط، ويرد القسم كبيع المرابحة، ولا يعدلوا الأنصباء على البقاء على سهامهمن لكن يقسم ثانية، ولو لم يكن الغلط إلا في نصيب واحد بزيادة لنقض القسم؛ فإن فات نصيبه بالبناء رجع عليه من نقض سهمه بقيمة ذلك مالًا؛ فإن فات ببيع ولم يبين المبتاع نقض بيعه ورد القسم؛ فإن بنى رجع ناقص السهم على البائع بقيمة ذلك مالًا؛ فإن لم يجد عنده شيئًا رجع على المشتري بذلك مالًا، ورجع المشتري على البائع في ذمته، قال أبو محمد‏:‏ كيف يرجع على المشتري وبماذا يرجع بحصة الثمن أو القيمة‏؟‏ فالذي أراد ابن حبيب‏:‏ الرجوع بقيمة نقص سهمه، قال ابن حبيب‏:‏ وإن بنى الذي لم تقع الزيادة في سهمه ولا الذي الزيادة عنده انتقض القسم فيما لم يبق من السهام لعدم الفوت فيها، وفي السهم الذي فيه الزيادة وما فات بالبناء فما لم يقع فيه غلط مضى؛ وإنما قال في مسألة البيع‏:‏ إذا كانت الثياب قائمة تحالفا وتفاسخا لأن الشقق الآخر اختلفا في ثمنها فيقول المبتاع‏:‏ ثمنها تسعة أعشار الثمن ويقول البائع بل جميع الثمن؛ فإن، فاتت الثياب بحوالة الأسواق حلف المبتاع أنه ما ابتاع إلا عشرة، والبائع ما باع إلا تسعة، ويأخذ ثوبًا منها شقة بحصتها من الثمن المصادق عليه؛ فإن فاتت بذهاب أعيانها‏:‏ فإن كانت قيمة الثوب منها أكثر مما يخصها من الثمن فأقل حلف المبتاع ولزمه ما يخص تسعة، وحلف البائع‏.‏ وأخذ قيمة الثوب، وإن كانت قيمته مثل حصته من الثمن فأقل حلف المبتاع وبريء، قال ابن عبدوس‏:‏ قال أشهب‏:‏ في القسم‏:‏ يتحالفان ويتفاسخان، قال وأنا أقول يقتسمان هذا الثوب نصفين بعد أيمانهما‏.‏

قال اللخمي‏:‏ دعوى الغلط أربعة أقسام‏:‏ أحدها أن يعدلا ذلك بالقيمة والقرعة أو بغير قرعة؛ فإن قال أهل المعرفة كان ذلك سواء، أو قريبًا فلا ينتقض القسم، وصدق مدعي الوهم أو الغلط‏.‏وثانيها أن يقولا هذه الدار تكافئ تلك الدار، أو العبد يكافئ ذلك العبد من غير ذكر قيمة بقرعة أم لا فكالأول؛ لأن مقصود ذلك التعديل وعدم الرضا بالغبن، وكذلك هذه الدار تكافئ هذا المتاع أو هذا العبد، وثالثها خذ هذه الدار والعبد، وأنا‏:‏ هذه الدار والعبد من غير تقويم وذكر مكافأة؛ فإن كان القسم بالتراضي مضى القسم بالغبن كالبيع إلا على من قال‏:‏ الغبن في البيع يرد، وإن اقتسما بالقرعة عالمين بالتفاوت فسد القسم لاشتمال القرعة على الغبن، وفسخ قهرًا، وإن لم يدع لذلك؛ فإن طلبا التساوي جاز، والقيام في ذلك كالعيب؛ فإن قام به من عنده الغبن فسخت القسمة، وإن رضي به مضت‏.‏ ورابعها‏:‏ الاختلاف في القسمة التي وقع عليها القسم، يقتسمان عشرة أثواب يقول أحدهما‏:‏ ستة لي بالقسم، ويقول الآخر‏:‏ بل خمسة وخمسة سلمته غلطًا، فيصدق الحائز له عند ابن القاسم مع يمينه إذا أتى بما يشبه لإقراره بدخوله في القسم، والأصل‏:‏ عدم الغلط، ولا دعائه وقوع القرعة فاسدة، وتصرفات العقلاء محمولة على الصحة فيصدق مدعيها كالبيع، وقال أشهب‏:‏ لا يمين عليه إن قال الآخر‏:‏ سلمته غلطًا، وإن قال‏:‏ سلمته وديعة صدق مع يمينه أنه قاسم خمسة وخمسة، وخير الآخر بين إسلامه أو يحلف أنه قاسمه ستة وأربعة ويتفاسخان ذلك الثوب وحده، قال ابن حبيب‏:‏ إن اقتسما بالتراضي لم ينظر إلى غيره، وإن كثر الغلط كبيع المساومة يلزم، أو بالقرعة بتعديل القسم لم يقبل قوله إلا بتفاحش الغلط، ويرد القسم، قال اللخمي‏:‏ فإن أشكل القسم صدق من بيده السادس إن أقر الآخر أنه سلمه غلطًا، أو للإيداع تحالفا وتقاضى القسم كله‏.‏ وإن حاز أحدهما صدق مع يمينه؛ فإن نكل حلف الآخر وأخذه، وأما اختلافهما في حد الجدار فيقول أحدهما‏:‏ الحد من هاهنا ودفع عن جانبه، وقال الآخر‏:‏ من هاهنا ودفع إلى جانب صاحبه فقد تقدم؛ فإن ادعى أحدهما معرفة الحد وشك الآخر صدق مدعي العلم، واختلف في يمينه؛ فإن شكا قسما المشكوك فيه لعدم رجحان أحدهما‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إن‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ القسم ووكلا، ثم ادعيا غلط القاسم أو جوره رجع الأمر إلى السلطان؛ فإن وجده علي التعديل مضى؛ فإن رضيا بالنقض استأنفا القرعة، أو التراضي بالقسم امتنع لانتقالهم من معلوم معين إلى مجهول مستقبل؛ وإن تراضيا بالنقض ليأخذ كل واحد شيئًا معينًا جاز؛ وإن وجدوا على غير تعديله نقض كان القسم برضا الورثة أو ببعثه من السلطان، ولم ير مالك قسم القاسم كحكم الحاكم؛ وإن كانا معا مجتهدين‏:‏ فالحاكم لا ينقض اجتهاده باجتهاد غيره، واختلف في نقضه هو إذا تبين الخطأ‏:‏ ابن القاسم ينقضه هو وغيره إذا كان خطأ بينًا لمخالفة النص؛ لأنه إنما دعي إلى القسم بالتعديل، والغلط يعرف قطعًا وقال أشهب‏:‏ هما سواء، إذا تبين الغلط يرد؛ وإن كان مما يكون من القسام جاز علي من أسهم له ينظر في الحصص الباقية؛ فإن كانت إذا أعيدت خرج علي ما هو أحسن أعيد القسم‏.‏ وينقض الأول، وكذلك قال في القاضي إذا حكم بشاذ مباين للحق نقضه غيره، أو قريب لم ينقض؛ وإن لم يباين لم يكن لغير القاسم نقضه، ولا ينتقض اجتهاده باجتهاد غيره، واختلف هل ينقضه القاسم نفسه إذا تبين له أن غير الأول الصواب؛ وإن كانت‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ على السهام فأعطي بعضهم ثم تبين أن غير ذلك أحسن، أعيد القسم فيما اقترع عليه، ويختلف فيما مضى هل ينقض أم لا، وإذا لم يتبين الغلط حتى وقع هدم أو بناء على من يرجع عليه في الهدم شيء، ويختلف هل بقيمة البناء أم لا؛ لأنه بإذن الشريك‏.‏

قاعدة‏:‏ المدعي ابراء من خالف أصلًا كمدعي شغل الذمم؛ لأن الأصل‏:‏ براءتها لولادة كل أحد بريئًا كمدعي رد الوديعة بغير بينة، وقد أخذها ببينة؛ فإن العادة تقتضي أنه إن أشهد عليه أشهد، وكالوصي يدعي إنفاق ما يخالف العادة، والمدعي عليه قوله موافق للأصل كالمدعي عليه شغل ذمته، أو عرفًا كاليتيم إذا بلغ فيما تقدم فيصير المدعى عليه الطالب لا المطلوب، وقيل‏:‏ المدعى عليه أرجح المتداعيين سببًا، وهو نحو الأول، وهذه القاعدة تقرير قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لو أعطي الناس بدعاويهم لادعى قوم دماء قوم وأموالهم، ولكن البينة علي من ادعى واليمين علي من أنكر‏)‏ فعلى هذه القاعدة يتخرج من يحلف ومن يطالب بالبينة في هذا الباب وفي غيره من أبواب الفقه‏.‏

فرع‏:‏

قال مطرف‏:‏ فإذا أخطأوا في القسم في الأرض فسخ ولا يعمل بينهم، ولا يقرون عليه لأنه أقامه على تصرف فاسد كإقرار البيع الفاسد، وكذلك لو لم يقع إلا في نصيب واحد لأعيد ما لم يفت ببناء من الذي وقع ذلك في سهمه فيرجع بقيمة نقضه مالًا، ولو باع ولم يبين رد البيع وفسخ القسم‏.‏ فإن بنى المشتري رجع ناقض السهم على البائع بقيمة ذلك‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏‏.‏ ورجع على المشتري مالًا أيضًا، ورجع المشتري على البائع في ذمته، فلو بنى غير الزائد السهم انتقض القسم فيما لم يبين، وفي السهم الذي فيه الزيادة كما تقدم وما فات بالبناء مما لم يقع فيه الغلط يمضى‏.‏

القسم الثاني‏:‏ في الطوارئ، وهي خمسة بعد القسمة وهي‏:‏

الطارئ الأول‏:‏ الاستحقاق، وفي الكتاب‏:‏ ‏(‏إذا وجد بنصيبه عيبًا وهو وجهه أو أكثرة رد الجميع كالعبيد في البيع‏)‏ وإذا استحق اليسير كبيت من دار عظيمة رجع بحصته في الثمن في البيع والقسم، ولزم الباقي، أو الكثير رد الجميع نفيًا للضرر، قال صاحب التنبيهات‏:‏ جاءت الألفاظ مشكلة في العيب والاستحقاق، فقيل‏:‏ مردودة إلى جادة المذهب، وقيل‏:‏ أقوال مختلفة، وقيل‏:‏ اختلفت لاختلاف الأسئلة، وقيل‏:‏ أغلاط وأوهام وقعت في الكتاب لأن سحنون لم يصلح كتاب القسم بل تركه على أسئلة أسد بن الفرات، وقيل‏:‏ مذهبه في الاستحقاق والعيب في القسم لا ينتقض غير مذهبه في البيع ينتقض، فمن ذلك قوله‏:‏ اقتسما عبدين أخذ كل واحد منهما واحدًا فاستحق نصف أحد العبدين، قال‏:‏ يرجع صاحبه على الآخر بربع العبد الذي في يديه أو بقيمته إن فات؛ لأنه ‌‌‌‌‌‌ثمن ما استحق من العبد الذي في يديه من نصيب صاحبه؛ لأنه كان لكل واحد من كل عبد نصفه، فلما استحق يقسم هذا الاستحقاق على النصف الذي كان لك، وعلى النصف الذي اشتريت من صاحبك فيكون نصف النصف الذي يستحق من نصيبك ونصف النصف من صاحبك وهو الربع فرجع به فلم يفسخ القسم والمستحق نصف حصته وهو كثير على أصله، قيل‏:‏ إنما قال ذلك وإن كان يفسخ بالنصف لأن المردود الربع هاهنا، وهو من جملة صفقة القسم فهو قليل، وبالحقيقة الربع هاهنا نصف المعارضة، ومن ذلك قوله‏:‏ اشترى عبدًا فباع نصفه فاستحق ربعه، يخير المبتاع الثاني بين الرد ويرجع المشتري الأول على بائعه بما استحق عليه مما اشترى وهو ثمن الربع؛ لأن الربع المستحق منهما، ويرجع المشتري الأول أيضًا ويكون مخيرًا فجعلهما يرجعان وكل واحد منهما إنما استحق مما في يديه الأقل؛ لأن المشتري الثاني إنما استحق منه الثمن، والأول كذلك، إن لم يرجع عليه، والربع إن رده عليه، فهو خلاف قوله أولًا هنا على أصله في استحقاق العبد‏:‏ أنه مخير بين رد اليسير نفيًا لضرر الشركة، فقد فرق في استحقاق اليسير من العبد المشترى أن له الرد لضرر الشركة، وبين مسألة القسم وذكر أنه إن رد في القسم رجع على الشركة، فقيل‏:‏ اختلاف لمسألة العبدين إذ لم يجعل له الرد، وقيل بل الفرق‏:‏ أن العبدين إنما الشركة بين المتقاسمين في كل وجه، وفي مسألة مشتري النصف معهم شريك ثالث وهو البائع الأول، فزاد الضرر وقسمت خدمة العبدين ثلاثة، وقيل بل لمزيد الضرر؛ لأنه استحق منه نصف صفته وهو كثير كطعام استحق نصفه بخلاف العبدين، قال‏:‏ وهو غلط؛ لأن المشتري للنصف إنما استحق منه ربع صفقته كمسألة العبدين، وأما الدار أو الدور يستحق بعضها فلم يختلف قوله‏:‏ أن في استحقاق اليسير يرجع بحصته من الثمن ذهبًا أو فضة لا فيما بيده إلا على ما ذكره فضل‏:‏ أنه يرجع يسير في الثمن ولم يختلف قوله‏:‏ أن القسم لا ينتقض، واختلف قوله في صفة الرجوع، فقال مرة‏:‏ يرجع بقيمة نصف المستحق من يده، وقال مرة‏:‏ قيمة نصف مثل ذلك الجزء مما بيده، وهو أصل مذهبه، وهو عدل، وقال أشهب‏:‏ يرجع في العيب باليسير مما بيده شريكًا، وقال عبد الملك‏:‏ ينتقض قسم السهام باستحقاق اليسير؛ فإن استحق من الدار والدور ما فيه ضرر وليس بالجل، اضطرب جوابه، فقال مرة‏:‏ إن اقتسما دارًا فأخذ أحدهما ربعهما من مقدمها فاستحق نصفها بيده رجع بربع قيمة ما بيده؛ فإن استحق نصف ما بيده الآخر وهو الثلاثة الأرباع فكذلك، وصرح بأن استحقاق النصف لا ينتقض القسم، وأنه في حيز اليسير، ثم قال بأثر المسألة‏:‏ لا ينتقض القسم باليسير إنما ينتقض بالجل، وقال ابن القاسم‏:‏‏:‏ ينتقض بالثلث، وجعله كثيرًا، فقيل‏:‏ رجوع عما تقدم، وقيل‏:‏ لا، والثلث والنصف كثير، وفرق ابن لبابه بين الدار والدور، فلا يراعى في الدور الكثيرة إلا الجل، وجعله مذهب الكتاب وسوى غيره، وقال ابن أبي زيد‏:‏ مذهب الكتاب‏:‏ لا ينتقض القسم إلا بالجل من النصيب أو ما فيه ضرر، بخلاف البيع، وقوله‏:‏ يرد القسم إلا أن يفوت ما بيد صاحبه ببيع أو هدم، وذكر البناء في موضع آخر وهو يدل على أن اليد يد ضمان، وأمر سحنون بطرح لفظ البيع، وقال‏:‏ إذا باعوا فعليهم الثمن، وعنه‏:‏ أنه فوت وعند الهدم ليس فوتًا، ويقال‏:‏ جر الثلث مهدومًا، قال سحنون‏:‏ هو اختلاف من قوله، وعند سحنون‏:‏ لا يضمن في القسم ما هو بأمر من الله ولا من سببه من بيع أو عتق أو هبة وإنما يطلب بثمن المبيع وعين العبد فيشارك بما يصيبه فيه إن كان موهوبًا، وبقيمة ما يجب له من الشقص يقوم على معتقه إن عتق، ويضمنه أشهب بكل ما يكون من سببه دون المساوي، ولابن القاسم في كون الهدم والبيع فوتًا في القسم قولان، والأشبه بأصولهم‏:‏ الفوت ولم ير سحنون الهدم والبيع والبناء فوتًا، وقال في أم ولد المستحقة‏:‏ يأخذها وقيمة ولدها لأنه قد يميل إليها فهو أحق بها، وقال أيضًا‏:‏ لا يأخذها بل قيمة ولدها وقيمتها إلا أن يكون في ذلك ضرر من عار أو غيره، قال ابن يونس‏:‏ قول أبي محمد‏:‏ يفوت العيب باختلاف الأسواق، ليس لملك بل فوت عوضه، والعوض في القسم أقامه ابن حبيب مقامه في البيع، وقوله في الكتاب‏:‏ لا يأتي بحنطة معينة في القسم إذا اطلع على العيب بعد الطحن لعدم الإحاطة بمقداره، بل يرد القيمة ويرد الآخر الطعام الذي أخذه أو مكيلته، ثم يقتسمان ذلك، وليس له أن يرجع بنصف قيمة العيب في حنطة صاحبه لئلًا يدخله التفاضل في الطعام، وقال أشهب‏:‏ يرد الحنطة، ثم يقتسمان ذلك وحصة الآخر، وعن سحنون‏:‏ يشتركان بقيمة الطحين في الدقيق وما بقي وحصة الآخر بينهما، قال اللخمي‏:‏ إذا كان المعيب النصف ليس له رد السالم عند ابن القاسم في مسألة الجاريتين يستحق نصف ما في يد أحدهما، وخيره أشهب بين التمسك بالباقي أو رد الجميع؛ فإن كان العيب بأيسر ما في يده، له الرد عند ابن القاسم ويرجع بما ينوبه دراهم أو دنانير، وجعلهما أشهب شريكين، ونقض محمد القسم بالاستحقاق قل أو كثر، قال‏:‏ وأرى إن كان القسم بالتراضي‏:‏ فما قال ابن القاسم‏:‏ في جميع الوجوه أو بالقرعة قدم طالب نقض القسم، وإن قل المعيب والمستحق؛ لأن تلك القرعة غير مشروعة، وحيث له الرجوع في السالم والقسم بتراض‏:‏ فما قاله ابن القاسم من الفوت بحوالة الأسواق فما فوتها من تغير أو زيادة إلا الديار فلا تفيتها حوالة الأسواق؛ لأن الديار لا تطلب للتجر غالبًا ولا تعرض للأسواق فلا تؤثر فيها، ويفيت الجميع البيع والهبة والصدقة والحبس والقسم، وإن كان القسم بالقرعة فقيل‏:‏ بيع‏.‏

والجواب‏:‏ كالأول، وقال أشهب‏:‏ فلا تفيتها حوالة الأسواق ولا النماء والنقص، بل البيع والحبس يفيتان لتعلق حق الغير ويرجع بالقيمة يوم القسم بخلاف البيع، لضمان البائع المبيع، والمقاسم غير ضامن، ويرد على أشهب الفوت بذهاب اليد بعد القسم، قال سحنون‏:‏ إن باع أحدهما واستحق عبد الآخر فالثمن بينهما لأنه بدل العين وقد تعلق حق الغير بها، وإن حملت الأمة ضمن يوم الحمل لأنه وقت سبب الفوات، وعند أشهب‏:‏ يوم القسم لأنه يوم وضع اليد، وإن وهب أو حبس جاز في نصيبه على أصل سحنون، ويأخذ شريكه نصيبه من الموهوب له إن كان مما ينقسم قاسمة، وإن أعتق ضمن قيمة نصيبه يوم القسم على أصل سحنون، يقوم نصيبه ليقوم عليه شريكه يوم التقويم إن كان مليًا واتفق أشهب وسحنون إذا لم يخرج من اليد أن النماء والنقصان بينهما، وليس بفوت؛ فإن خرج ببيع أو هبة أو صدقة أو حبس أو عتق؛ فعند أشهب فوت، والقيمة يوم القسم لأن الشريك سلطة، وقال سحنون‏:‏ فوت والقيام يوم الفوت، وعنه يرجع في الهبة إن وهب أو تصدق كالمستحق، وإن أعتق فالاستكمال في العتق يوم الرجوع؛ فإن فات بعد العتق وقبل الرجوع لم يضمن صاحبه على أحد قولي سحنون‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا بنى أحدهما أو غرس، ثم استحق نصف نصيبه فذلك فوت، وكذلك إن استحق نصف الذي لم يبن، ويرد غير الباني ما بقي، والثاني قيمة جميع نصيبه، ويقسمان ذلك إن كان المستحق كثيرًا وإلا ترك القسم ورجع بنصف قيمته لبقاء وجه الصفقة، ونقضه ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل مطلقًا لوقوع القسم على غير معدل، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا ينتقض مطلقًا بل يخير المستحق منه بين فسخ القسم لكونه على معدل وبين الرجوع على الشركاء توفية لحقه، ولا يتعين الفسخ لعدم دخولهما على عدم التعديل ابتداء‏.‏ لنا‏:‏ أن التفرقة بين القليل والكثير جمع بين المدارك فتكون أولًا، ولو وقع في نصيب الثاني‏:‏ فإما يدفع المستحق قيمة البناء قائمًا لأنه وضعه غير متعد، إلا رجع الآخر بقيمة الأرض لأنه ليس بغاصب، قال بن القاسم‏:‏ متى استحق كثير رجع بنصف قيمة ذلك ‏(‏فيما بيد صاحبه شريكًا فيه؛ فإن لم يفت أو يسير رجع بنصف قيمة ذلك‏)‏ ثمنًا نفيًا لضرر الشركة، وإن اقتسما دورًا بأسهم أو بالتراضي فاستحقت واحدة أو وجد بها عيب وهي جل النصيب أو أكثره ثمنًا انتقض القسم كالبيع، وإن كانت العشر رجع بنصف عشر قيمة ما بيد الآخر ثمنًا، ولا يرجع فيه على الاستحقاق ويردها في العيب، ويرد الآخر عشر قيمة ما بيده يكون ذلك مع الدار المعينة بينهما‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ اقتسما جاريتين فاستحقت إحداهما بعد الاستيلاد فلربها أخذها لأنها عين ماله، وقيمة ولدها لأنه نشأ عن ماله وتخلق على الحرية، فامتنع أخذ عينه، وقيمته تقوم مقامه، ويرجع الشريك على صاحبه بنصف الجارية الآخر؛ فإن فاتت بغير سوق فما فوقه فنصف قيمتها يوم قبضها، وبه أخذ ابن القاسم في البيع، ثم رجع مالك في البيع إلى هذا، ومنع أخذها لتضرر المشتري بالعار بأخذ فراشه، ولكن قيمتها وقيمة ولدها، قال ابن القاسم‏:‏ لو رضي المستحق بقيمتها ليس للولد الامتناع على قول مالك صونًا للحرية فيها، وللمالية عن الذهاب، ويعطى قيمة ولدها وقيمتها يوم الاستحقاق لأنها لو ماتت قبله لم يلزم المبتاع قيمتها؛ لأنه لو لزمته لكانت ملكه فلا يلزمه قيمة ولدها‏.‏ قال اللخمي‏:‏ يعود المقال بينهما في الجارية الثانية‏:‏ فإن كان القسم بالتراضي أو بالقرعة على القول أنها بيع‏:‏ فعلى من هي في يديه نصف قيمتها يوم قاسم، واختلف على أنها تمييز حق، قال بن القاسم‏:‏ يوم قاسم، وقال سحنون‏:‏ يوم حملت إن كان موسرًا؛ فإن كان معسرًا فعلى قول ابن عبدوس في العبد يعتق‏:‏ يكون على الشريك قيمته يوم التقويم يكون للشريك أخذ نصف الأمة، ويتبع بقيمة نصف الولد لأنه أنزله في العتق منزلة نصف قيمة المستحق، ويكون له نصفه في العتق على أصله في العتق إذا كان معسرًا، وكذلك الأمة، قال صاحب التنبيهات‏:‏ اختلف في قوله إلا أن يكون عليه ضرر‏.‏ فقيل‏:‏ على المستحق منه وقد وقع مصرحًا به في الأسدية فقال‏:‏ إلا أن يكون في إسلامها ضرر، وقاله أشهب، وقيل‏:‏ على المستحق؛ لأنه قد يكون يحبها أو يكون المستحق منه معدمًا‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ جعل ابن القاسم إذا اقتسما كل واحد منهما عبدًا فاستحق نصف عبد أحدهما رجع على صاحبه بربع عينه إن استحق نصفه إن كان قائمًا، وإلا فربع قيمته، بخلاف المبتاع يرد باستحقاق اليسير لضرر الشركة في منع السفر والوطء، والفرق‏:‏ أن في قسم العبدين لم يبع أحدهما عبدًا كاملًا، بل ضرر الشركة كان قبل القسم، قال ابن عبدوس‏:‏ جعل كل واحد يضمن ما بيده أن لو مات عبد أحدهما واستحق الآخر لتغريمه القيمة يوم القبض، كمن باع عبدًا بعبد، قال سحنون‏:‏ وهذا خلاف أصل مالك، والقسم خلاف البيع لأنه لو طرأ دين لم يضمن من مات عنده، قال ابن عبدوس‏:‏ إذا جعل له الرجوع على ‏(‏من مات عنده ثم طرأ دين‏:‏ فإن أمرت أخذ نصف القيمة أن يعطيه في الدين ضمن من مات‏)‏ عبد في يديه لرب الدين، وأصله‏:‏ عدم ضمان الميت بيده لأهل الدين، وإلا ورثت مع قيام الدين، ولو كان القسم بيعًا لكان لمستحق العبد إجازة البيع في نصفه وأخذه نصف الآخر لأنه ثمن نصف عبده‏.‏ قال سحنون‏:‏ إن باع أحدهما عبده واستحق عبد الآخر؛ فالثمن بينهما، ولو أحبل الأمة ضمن قيمتها يوم حملت؛ لأنه يوم تعين الفوات، وعند أشهب‏:‏ يوم قاسم؛ لأنه يوم وضع اليد، وإن بنى ضمن نصف قيمة ما قبض عند ابن القاسم، وقال سحنون‏:‏ يقتضي قول ابن القاسم‏:‏ يشاركه في قاعة ما بنى ثم يتعاملان في البناء، فلو قسما خشبًا فعمل نصيبه أبوابًا، قال سحنون‏:‏ ليس بفوت؛ لأن مالكًا قال‏:‏ النسج في الغزل، والطحن في الدقيق ليس فوتًا، وقال فيما إذا اغتل العبد ثم استحق الآخر رجع في العبد الآخر وفي غلته، قال ابن عبدوس‏:‏ إن كان بأيديهما بغصب فغلته للمستحق، أو بشراء خير المستحق من بيده في التمسك فيما بيده من الغلة وعدم الرجوع على شريكه، ولا يرجع الآخر عليه بشيء، وبين رد الغلة فكانت مع العبد الباقي فغلته بينهما نصفين، وعن مالك‏:‏ ثلاثة أخوة اقتسموا ثلاثة أعبد فمات أحدهم واستحق الآخر فالهالك عبده لا يرجع، ولا يرجع عليه، والمستحق عبده على الثالث بثلث عبده، وللباقي عبده الثلثان، قال أشهب‏:‏ فلو كان القسم بيعًا لرجع من استحق من يده على الهالك عبده بثلث قيمته، قال أشهب‏:‏ فإن رجع العبد المستحق على بائعه بثمن، فثلثا ذلك الثمن، وثلث العبد الباقي للمستحق منه، وثلث الثمن الباقي للذي العبد في يديه، قال ابن عبدوس‏:‏ هذا إذا كان الثمن مثل قيمته يوم القسم؛ فإن كان أكثر‏:‏ فالزائد يرجع فيه الهالك عبده بثلثه، ولا حجة له في مقدار الثمن لأن، مصيبته منه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أخذ الموصى له ثلث الدار فبناه، ثم استحق فللمستحق إعطاؤه بنايته وإلا أعطاه هذا قيمة أرضه؛ فإن أعطاه قيمة البناء وهو أقل مما أنفق لحوالة سوق لم يرجع بنقض ذلك على الورثة ولا غيرهم وينتقض القسم فيقاسم بقيمة الدار إلا أن يفوت ببناء أو بيع فيرجع عليهم بقيمة الدار قبضوها يقتسمون تلك القيمة؛ فإن فاتت بهدم فليس له إلا ثلث ذلك مهدومًا مع ثلث النقض، وإن بيع من النقض شيء فله ثلث ثمنه دون القيمة؛ لأن المستحق في البيع لا يتبع المبتاع إذا هدم إلا أن يبيع النقض فعليه الثمن، وكذلك الأمة إذا عميت، قال ابن يونس‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ أنظر قوله إلا أن يفوت ما بيد الورثة ببيع يرجع عليهم بقيمة الدار، ثم قال‏:‏ إن بيع النقض قائمًا يرد الثمن، وقال قبل هذا‏:‏ إذا أصاب بنصيبه عيبًا وهو جل ما بيده يرده، وفات ما بيد أصحابه بيع ردوا إلى القيمة فما الفرق‏؟‏ وقال سحنون‏:‏ الأصل‏:‏ الرد إلى الثمن في هذا كله، وقال صاحب المقدمات‏:‏ إذا قسموا بالقرعة، ثم طرأ استحقاق على أحد، أو وجد معيبًا‏:‏ فقال عبد الملك‏:‏ ينتقض القسم قبل الاستحقاق أم كثر فاتت الأنصباء، أو هي قائمة ومصيبة التالف من جميعهم كلحوق الدين، وقال ابن القاسم‏:‏ في المدونة‏:‏ لا ينتقض إلا أن يستحق الجل من النصيب، أو ما فيه ضرر، ويرجع المستحق منه على إشراكه على حكم البيع في القيام والفوات، كان الفوات باستهلاك أو استحقاق أو اخراب أو أمر سماوي، والقول لأشهب، لا يضمن في الاستحقاق في الأمر السماوي، وفي الجواهر‏:‏ إذا استحق بعض المال شائعًا لم ينتقض القسم واتبع كل وارث بقدر ما حاز إليه من حقه إن قدر على قسم ما بيده من ذلك، ولا يتبع المليء بما على المعدم، وإن استحق بعض معين، فقال ابن القاسم‏:‏ إن كان كثيرًا رجع بقدر نصف ذلك فيما بيد صاحبه يكون به شريكًا فيما بيده إذا لم يفت، وإن كان المستحق يسيرًا رجع بنصف قيمة ذلك دنانير أو دراهم، ولا يشارك صاحبه، وهذا قول مالك، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا اقتسموا الدور فاستحق من نصيب أحدهم شيء؛ فإن كان الذي استحق أو وجد به عيب هو جل ما في يديه أو أكثر ثمنًا انتقض القسم وإلا ردها وحدها، ورجع على شريكه في الاستحقاق بنصف قيمة ذلك مما في يد صاحبه، ثم قال ابن القاسم‏:‏ في الدار الواحدة مخالفة في القسم للدور الكثيرة لدخول الضرر فيها في السكن والبناء، وقال أشهب‏:‏ إذا استحق بعض نصيب أحدهما أكثره أو أقله فيه مضرة أم لا، رجع على صاحبه بنصف ما استحق فيما في يد صاحبه، فكان شريكًا به، ولا ينتقض القسم إذا فات الباقي في يد المستحق منه بالبناء، لا يقدر على رده‏.‏

الطاريء الثاني‏:‏ العيب، وفي الكتاب‏:‏ إذا وجد بنصيبه عيبًا وهو وجهه أو كثره، رد الجميع كالبيع وابتدئ القسم، وقاله الشافعي، وابن حنبل قال‏:‏ يخير بين الأرش والنقض كالبيع عنده إلا أن يفوت ما بيد صاحبه ببيع أو هبه أو بناء أو حبس أو صدقة أو هدم أو لا، فيرد قيمته يوم القبض فتقسم القيمة مع المردود، ولا تقيت حوالة الأسواق، والدار كالبيع، وإن كان المبيع الأقل لم ينقض؛ فإن كان سبع ما بيده رجع بقيمة نصف سبع ما أخذ ثمنًا، ثم يقتسمان هذا المعيب، وكذلك لو اقتسما على التراضي جنسًا أو أجناسًا‏.‏

الطارئ الثالث‏:‏ الدين، في الكتاب‏:‏ إذا قسم بين الورثة الحاكم لا يأخذ كفيلًا بما يلحق من دين؛ لأن الأصل‏:‏ عدمه، فلا يلزمهم ما لا دليل عليه؛ فإن طرأ دين انتقضت القسمة بغير قاض لوقوعها غير محررة؛ لأن الميراث بعد الدين، وقال ابن حنبل‏:‏ لا ينتقض بطروء الدين لأن تعلق الدين لا يمنع تصرف الورثة كتعلق درك الجناية برقبة الجاني؛ فإن كان صاحب الدين غائبًا فاقتسموا أو جهلوا الدين أو تقديمه على القسم‏:‏ رد القسم حتى يوفي الدين إن كان المقسوم قائمًا؛ فإن أتلف بعضهم حظه؛ قال ابن يونس‏:‏ يريد‏:‏ أو عدم فلرب الدين أخذه من الذي بقي حظه، ويتبع الوارث بقية الورثة ببقية إرثه، ويضمن كل وارث ما أكل أو استهلك، وما باع فعليه ثمنه إن لم يحاب، وما مات بأيديهم أو هلك بأمر من الله تعالى فلا ضمان؛ لأن أيديهم مؤمنة شرعًا، وإذا جني على الرقيق بعد القسم قبل لحوق الدين، ثم لحق اتبعوا كلهم الجاني لانتقاض القسم بلحوق الدين‏.‏

قاعدة‏:‏ أسباب الضمان ثلاثة‏:‏ الإهلاك، كإحراق الثوب، أو التسبب للهلاك كحفر البئر، أو وضع يد غير مؤمنة كيد الغاصب، أو قابض المبيع الفاسد، وقولنا‏:‏ غير مؤمنة خير من قولنا‏:‏ اليد المتعدية حذار من البيع الفاسد وغيره، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ ما يغاب عليه يضمن للتهمة، وقال سحنون‏:‏ لحوق الدين لا ينقض القسم لأنه تمييز حق لا بيع، والدين شائع فيما بأيديهم، وهو على قدر مواريثهم؛ لأن أحدهم قد يكون غبن في القسم أو تغير سوق ما بيده فيؤدي أكثر مما بيده، بل يقوم ما بيد كل واحد يوم البيع للدين ويقسم عليه الدين، ولكل واحد افتكاك ما يباع عليه بدفع ما ينوبه؛ لأنه المقصود دفع الدين، ولهم أغرض في أملاك مورثهم فيقدمون على البيع وقاله ‏(‏ش‏)‏، وإذا كان في البيع من نصيب كل واحد ضرر على صاحب الدين لطوله وما بيد أحدهم أحضر ثمنا بيع ما هو أنجز، ورجع على أخواته بنائبهم من الدين يوم قضاه، قال أشهب‏:‏ إنما يتبع الورثة الجاني إن أخذ الدين من جميعهم؛ فإن أخذ من أحدهم رجع وحده على الذي صار له ذلك العبد بما يصيبه من العبد، وله من الجناية بقدر مصابه من العبد، مثل أن يترك ثلاثة بنين وثلاثة أعبد، قيمة كل عبد مائة، فقتل عبد أحدهم فباع الغريم أحد الباقيين، رجع من بيع عبده على أخيه القائم وعلى الجاني بثلث قيمة العبد المجني عليه، ورجع عليه صاحب العبد المجني عليه بثلثي قيمته، ولو أخذ الغريم من كل واحد من الأخوين نصف الدين لرجعوا كلهم على الجاني أثلاثًا‏.‏

فهذا القول جعل الدين كالاستحقاق، ومذهب سحنون أن رب الدين يأخذ ما بيد الورثة ولا يرجعوا على المجني على عبده بشيء، بل على الجاني بحصة ما يلحق قيمة العبد المجني إذا فض على جميع ما بأيديهم، ويرجع المجني على عبده على الجاني بما بقي، مثل أن يكون قيمة المقتول يوم القتل خمسين، وقيمة كل عبد بيد أخوته مائة، والدين مائتان فيبيع العبدين اللذين بيد الأخوين؛ فإن الأخوين يأخذان من الجاني أربعين وأخوهما عشرة، ولو كان كالاستحقاق رجع الجميع أثلاثًا، قال اللخمي‏:‏ وإن طرأ وارث على ورثة أخذ من كل واحد قدر ما يصير عليه من ميراثه، وليس له على هذا الذي بقي في يديه مال الميت إلا ما يصيبه لو لم يتلف ما أخذ أصحابه، قال ابن القاسم‏:‏ وجعل الجواب في غريم على الغرماء كذلك ليس على الموسر إلا ما ينوبه لو كان بقية الغرماء مياسير‏.‏

والطارئ ثلاثة‏:‏ غريم ووارث وموصى له، فالغريم يصح رجوعه على كل من وضع يده على تركة الميت من غريم ووارث وموصى له، والوارث على الورثة وعلى الموصى لهم، وكذلك الموصى له، وإما الغريم؛ فإن طرأ على الغرماء بانفرادهم لتقدمهم ولم يفضل عنهم شيء أو على الورثة لأنه لم يتقدمه غريم أو تقدم وفضل عنه ما يوفيه بيد الوارث، أو على الورثة والغرماء؛ لأن الباقي لا يوفي دينه، فالأول يرجع على أولئك الغرماء دون الورثة إن لم يعملوا بدين طارئ، ولا كان موصوفًا؛ فإن أعسر بعضهم أو غاب لم يرجع على الموسر الحاضر إلا بما ينوبه إن كان الغرماء حضورًا مياسير، والغريم الطارئ على ورثة؛ فإن اغترق الدين التركة، وهي عين قائم بيد الورثة أخذه؛ فإن أكل ضمن، أو ادعوا الضياع لم يصدقوا لأن العين يغاب عليه؛ فإن قامت بينة برأهم ابن القاسم لانتقاء التهمة وضمنهم أشهب على أصله في العواري أن اليد يد ضمان، قال‏:‏ والأول أحسن لأن هذا استحقاق، والاستحقاق لا يضمن مع البيئة إلا أن يحسبوا ذلك لأنفسهم مع علمهم بالدين، والميت موصوف بالدين؛ فإن أوقفوا ذلك للغرماء عند أمين أو أحد الورثة وهو مأمون برئوا، وإن لم تشهد بينة بالأصل‏:‏ فإن كان الدين يغترق بعض التركة وكلهم حاضر موسر غيره، أخذ من يد كل واحد ما ينوبه لا الجميع من واحد؛ فإن كان معسرًا أو غائبًا أو ملدًا أخذ الجميع من الحاضر الموسر غير الملد واتبع المأخوذ منه أصحابه؛ فإن كانت التركة ديارًا واقتسموا عالمين بالدين، قال مالك‏:‏ فسدت القسمة ونقضت رضي الورثة بقضاء الدين أم لا، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏من بعد وصية يوصي بها أو دين‏)‏ وقبل القسم جائز يتعلق به حق آدمي فإذا رضوا بقضاء الدين لم ينقض، وإن رضي أحدهم ببقاء القسم وقضاء ما ينوبه وامتنع غيره نقض القسم، واستؤنف في الباقي؛ فإن كان لا يبقى بعد قضاء الدين شيء قدم من طلب قضاء ما ينوبه إذ لا قسم صحيح بعد قضاء الدين يرجع به، وقال أشهب وسحنون‏:‏ القسم جائز إذا كان المقسوم موجودًا، ويفض الدين على ما في أيديهم بالحصص، وإن كان الدين يغترق نصف التركة وفي يد أحدهم ثلث التركة وفي يد الآخر الثلثان‏:‏ بيع نصف ما في يد كل واحد إلا أن يكون على الغريم في ذلك ضرر لقلة الرغبة في شراء البعض، أو يكون نائب أحدهم أحضرها فينقض القسم، قال اللخمي‏:‏ وعلى قوله لو بنى أحدهم في نصيبه وقيمته مائة فصارت مائتين لبيع منه للغريم ربعه لأنه نصفه قبل البناء إلا أن يشاء الرجوع بنصف قيمته يوم المقاسمة، وقيل‏:‏ يوم بنى؛ لأن البناء فوت؛ فإن انهدام ما في يد أحدهم ولم يبن الآخر نقض القسم، وليس الانهدام فوتًا، وإن قال أحدهم‏:‏ لا أرد القسم وأقضي جميع الدين قدم ولا ينقض كالأجنبي؛ فإن اغترق الدين جميع التركة وقد هلك ما في يد أحدهما لم يضمن قسمًا بالقرعة أم لا؛ لأن مقال الغريم من باب نقض القسم وهو كالاستحقاق فلا يضمن، ولا يضمن الأخ لأخيه شيئًا لأنه لا يستحق ميراثاً إلا بعد الدين، فلو رجع الأخ على أخيه بقيمة نصف ما قبضه إن اقتسما بالتراضي رجع الغريم أخذه منه لتقديم الدين على الميراث، وكذلك إذا اغترق الدين جميع الباقي وبعض الهالك لم يضمن من هلك بيده شيئًا؛ فإن اغترق بعض الحاضر والقسم بالقرعة فقال‏:‏ لا يرجع من استحق ذلك بيده، ولا يرجع عليه، وأرى أن القسم تمييز حق، وهو بمنزلة ما لو قضي ذلك الدين أجنبي، وقيل‏:‏ يرجع عليه ولا يرجع، وقيل‏:‏ هو بيع فيرجع ولا يرجع عليه؛ فإن كانت التركة عينًا وديارًا، أو كان في العين وفاء بدين الطارئ قضي الدين من العين ومضي القسم في الدار، ولا قول لمن أراد نقضه، وإن كانت عينًا وعروضًا وديارًا وقسمت قضي الدين من العين والعروض لأنها أقرب بيعًا، ومن حق الغريم تبدئته بالأسرع، ومضى القسم في الديار لعدم الحاجة للنقض، وإن اقتسموا ديارًا أو عبيدًا فانهدم ما أخذ أحدهم، أو حدث بالعبد عيب بيع جميع السالم لأنه أقرب بيعًا ورجع على أخيه فقاسمه تلك الدار والعبد على ما هو عليه من انهدام أو عيب، قولًا واحدًا، وإن بيع نصف السالم فكان رد النصف الباقي وانتقال النصف أفضل له، وأراد رد ذلك لغرض له في الرد، أو اختار التمسك لأن ذلك أفضل، فله ذلك على أحد القولين، وقيل‏:‏ لأخيه الرجوع عليه، قال صاحب المقدمات‏:‏ طروء لغريم على الغرماء والوارث على الورثة والموصى له على الموصى لهم حكمهم سواء، يتبع الطارئ كل واحد منهم بنائبه، ولا يأخذ المليء بالمعدم، وإن كان المقسوم لم يفت منه شيء لم ينتقض القسم في المكيل والموزون، لعدم الحاجة للنقض وينقض في الحيوان والعروض لما يدخل عليه من الضرر بتبعيض حقه وفي ضمان كل واحد للطارئ ما ينوبه مما قبض إن قامت البينة على التلف من غير سببه قولان، وعلى الضمان فالقيمة يوم القبض بالتفويت بالبيع والهبة والصدقة والعتق ونحوه، وعلى عدم الضمان‏:‏ لا يضمن بهذه الأسباب، ويلزمه الثمن في البيع، ويصدق في تلف ما لا يغاب عليه دون ما يغاب مع يمينه وعلى مذهب أصبغ‏:‏ يضمن في العين وحده فتكون ثلاثة أقوال، وطروء الغريم على الورثة أو على الموصى لهم بالثلث وعلى الورثة وطروء الموصى له بعد على الورثة فهم سواء فينتقض القسم عند مالك لحق الله تعالى، ولا ينتقض عند أشهب، واختلف قول ابن القاسم، فعنه‏:‏ ينتقض بين جميعهم ويخرج الدين ثم يقسم الباقي، ويكون النقض بالموت أو الجناية أو حوالة سوق أو غيره من الجميع، أو يخرجوا الدين من عندهم فيتم القسم، أو يتطوع أحدهم بجملة الدين، وليس لأحدهم إخراج نائبه من الدين، ويتمسك بنصيبه من القسم إلا برضاهم لتحقق الغبن في القسم إلا أن يثبت الدين بشهادة أحدهم مع يمين الطالب، فلبقية الورثة إخراج الدين من عندهم ويقرون القسم لتهمتهم إياه في نقض القسم ليزداد حظه أو لغبن حصل له، أو نقضه بأمر سماوي‏.‏

قال مطرف‏:‏ وفيه نظر لأن التهمة تبطل شهادته، وقاله أشهب، وعنه‏:‏ إنما ينتقض بيد من بقي حظه أو بعضه بيده أو استهلكه أو شيئًا منه، وأما من تلف جميع حظه بأمر سماوي فلا يرجع عليه بشيء من الدين، ولا يرجع هو مع سائر الورثة فيما بقي من التركة بعد الدين، ووافق ابن حبيب قول ابن القاسم الأول، إلا أن يريد أحدهم فك نصيبه بنائبة من الدين إلا أن يتلف شيء مما بيد بقية الورثة، إلا أن يتركهم في ضمان التالف نفيًا للغبن في القسم، واتفق أشهب وسحنون واختلفا في فض الدين، فقال سحنون‏:‏ على قيمة ما بيد كل واحد منهم ‌‌‌‌ يوم الحكم، وقال أشهب في أحد قوليه‏:‏ على الأجزاء التي اقتسموا زادت أو تقصت ما لم تتلف، وعلى قولهما يثبت الدين بشهادة أحدهم مع يمين الطالب أم لا لعدم انتفاع الشاهد بشهادته، ولا خلاف أن الورثة لا يضمنون بالقسم التالف بأمر سماوي إذا لحق الدين فيلزمهم أن يردوا، ويضمنون أكلهم وما استهلكوه وأنفقوه، واختلف في ضمانهم بالإحداث كالبيع والهبة والصدقة والعتق‏:‏ فضمنهم ابن حبيب، فيردوا ولا يرجعوا على الموهوب له، ولم يضمنهم أشهب، فيرجع صاحب الدين على الموهوب له، ولا له على المشتري شيء إلا أن يحابى، فحكم المحاباه حكم الهبة، ويصدقوا في تلف الحيوان الذي لا يغاب عليه يعدم التهمة في أيمانهم بخلاف العروض التي يغاب عليها، واختلف في العين والمكيل والموزون من الطعام إذا شهد بتلفه، على ثلاثة أقوال‏:‏ البراءة، وعدمها - وهو ظاهر قول ابن القاسم - والفرق بين العين والمكيل والموزون‏.‏

تنبيه‏:‏ قال‏:‏ والاختلاف في انتقاض القسم مبني على الخلاف في الدين الطارئ هل يتعين في عين التركة، أو هو متعلق بذمة الميت نظرًا إلى خراب الذمة بالموت وصون الدين عن الضياع أو نظرًا للاستصحاب‏؟‏ وينبني عليه اختلاف قول مالك فيمن يبدأ باليمين في دين المتوفى هل الورثة أو الغرماء‏؟‏ قلت‏:‏ واختلف العلماء إذا ترك مالًا ودينًا، فقيل‏:‏ على ملكه حتى يوفى الدين، وقيل‏:‏ على ملك الورثة؛ لأن سبب الملك الحاجة العامة، إذا لو بقيت الأشياء شائعة لتقاتل الناس عليها فجعل الشرع ترتب الأملاك على الأسباب الخاصة دافعًا لهذه الفتن، فالجنين لما كان ميتا شرعًا وهو بصدد الحاجة في حياته ملك الصدقة والأموال إجماعًا، والميت لم تبق له حاجه عامة فلا ملك، حجة الأول‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏من بعد وصية يوصي بها أو دين‏)‏ فجعل ملك الورثة بعد الدين، ويرد عليه أن المغيا هو المقادير لا المقدر، ومعناه‏:‏ أنه لما يبين أن للزوجة الثمن مثلًا قال‏:‏ لا تعتقدوا أنه من أصل المال، بل من الذي يفضل بعد الدين، وهذه قاعدة، وهي‏:‏ أن اللفظ إذا سيق لأجل معنى حمل على الذي سبق له لا على غيره، كما قال مالك‏:‏ والشافعي لأبي حنيفة - رضي الله عنهم - في قوله عليه السلام ‏(‏فيما سقت السماء العشر‏)‏ قال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ في الخضروات الزكاة، قالا له‏:‏ هذا خرج مخرج بيان الجزء الواجب لا الواجب فيه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ طروء الغريم على الغرماء والورثة ينظر‏:‏ إن كان فيهما أخذه الورثة كفاف الغريم الطاريء رجع عليهم على ما تقدم من رجوع الغريم على الغرماء‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ طروء الغريم على الموصى له بأقل من الثلث، وعلى الورثة إن كان ما قبض الموصى له يخرج من ثلث ما بقي بعد دين الغريم الطارئ، فلا رجوع للغريم عليه لتعين حقه في جهة غيره إلا في عدم الورثة، إن كان لا يخرج من ثلث ذلك فيرجع بالزيادة على الثلث على من وجد منهم مليًا؛ فإن حقه تعجيل دينه فلا يتبع المعدم، وأما قلد الثلث فلا يرجع به على الموصى له إلا في عدم الورثة على ما تقدم‏.‏

قال‏:‏ ومسائل الطوارئ إحدى عشرة مسألة‏:‏ الغريم على الغرماء، والوارث على الورثة، والموصى له على الموصى لهم، والغريم على الورثة، والغريم على الموصى له بالثلث، وعلى الورثة والموصى له بعدد على الورثة، ‏(‏والغريم على الغرماء، والموصى له بعدد على الموصى لهم، وعلى الورثة‏)‏، والموصى له بجزء على الموصى لهم بجزء، وعلى الورثة، والغريم على الموصى له بأقل من الثلث، وعلى الورثة، والموصى له بجزء على الورثة، وقد تقدم أكثرها وتأتي بقيتها إن شاء الله تعالى‏.‏

نظائر‏:‏ قال العبدي‏:‏ يلزم الضمان - إلا أن تقوم بينة - في ست مسائل‏:‏ المقسوم من التركة بين الورثة، ثم ينتقض القسم بالدين أو بغلط وقد تلف، وهو مما يغاب عليه، والصناع، وعارية ما يغاب عليه، والمبيع بالخيار مما يغاب عليه، ونفقة الولد عند الحاضنة، والصداق مما يغاب عليه وادعت المرأة تلفه، ووقعت فيه الشركة بالطلاق‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ عن مالك‏:‏ التركة ألف والدين مائتان باع وارث بعض التركة، رد بيعه لتعلق الدين بالجميع تعلق الرهان، وقال سحنون‏:‏ ينفذ إن وفى الباقي الدين، وقد قال مالك‏:‏ إن حلف بحرية رقيقة ليقضين دينه إلى شهر فهو ممنوع من بيعهم لتعلق حق الحرية لهم؛ فإن باعهم وقضى الدين قبل الأجل نفذ البيع؛ لأن ما من أجله يرد البيع فقد زال بالقضاء‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أقر أحدهم بعد القسم بدين‏:‏ إن كان عدلًا حلف الطالب واستحق؛ فإن اتهمه الورثة في نقض القسم دفعوا الدين وتم القسم، وإلا نقض وأعطى الدين وقسم الباقي؛ فإن أخرجوا نائبهم وأبى المقر إلا النقض، لزمه إخراج نائبه، أو بيع نصيبه؛ لأن غرضهم صحيح في استيفاء عين مال الموروث، وإن أقر قبل القسم حلف الطالب وامتنع القسم إلا بعد الدين وعن مالك في الورثة يبيع بعضهم من بعض فللابن ما بيد الورثة، ولا يأخذ ما اشترى بعضهم من بعض لضمانهم ثمن ذلك حتى يستوفي الدين؛ فإن لم يكن عندهم شيء اتبعوا به دينًا‏.‏

الطارئ الرابع‏:‏ الوارث بعد القسم، في الجواهر‏:‏ إن كان الورثة أملياء والتركة عين، أخذ من كل واحد ما ينوبه؛ فإن وجد أحدهم معسرًا، قال ابن القاسم‏:‏ ليس له أخذ الموسر بالمعسر قياسًا على وضع يد الأجنبي‏.‏ وقال أشهب‏:‏ يقاسم الموسر في جميع ما صار له أن لو لم يترك الميت غيرهما، ويتبعان المعسر، ورأى أن القسم فاسد، وإن لم يعلموا بالطارئ، وظاهر مذهب عبد الملك أنه جائز إلا أن يعلما بالطارئ فيفسد لدخولهم على عدم تحرير القسم‏.‏ وأصل ابن القاسم‏:‏ ليس لأحد الشريكين قسم العين دون شريكه، وأمضى القسم هاهنا لما كان غير عالم، ولو كان عالمًا لم يجز، وأصل أشهب‏:‏ الجواز؛ فإن كانت التركة عقارًا‏:‏ دارًا واحدة اقتسماها نصفين، خير بين إجازة القسم ومشاركتهما، وبين رده فيجمع له سهمه، وإن كانت دارين فأخذ كل واحد دارًا فليس له رد القسم، بل يشارك كل واحد في داره ‏(‏فإن اغترق بعض الحاضر والقسم بالقرعة، فقال‏:‏ لا يرجع من استحق ذلك بيده، ولا يرجع عليه، وأرى أن القسم تمييز حق‏)‏ لأنه لو حضر القسم لم يكن له إلا المشاركة، وإن كانت أكثر من دارين استؤنف القسم ليجمع له سهمه فيسلم من ضرر الشركة‏.‏

الطارئ الخامس‏:‏ طروء الموصى له، ففي الجواهر‏:‏ جعله ابن حبيب كالغريم لتقدم الوصية على الميراث، وقال ابن القاسم‏:‏‏:‏ إن أوصى له بالثلث فكالوارث؛ لأنه ذو سهم مثله، أو بدنانير أو طعام فكالغريم، قال صاحب المقدمات‏:‏ الموصى له بعدد إن كان ما أخذه الورثة زيادة على الثلثين وهو كفاف الوصية الطارئة فلا رجوع له على الموصى لهم، وإن لم تكف وصيته رجع بتمامها على الموصى لهم كما تقدم في رجوع الوارث على الورثة، وطروء الموصى له بجزء وعلى الورثة‏.‏ قال‏:‏ إن أخذ الورثة زيادة على الثلثين تكف الطارئ لم يرجع إلا على الورثة؛ لأن حقه في أيديهم، وفيه خلاف ابن حبيب وابن القاسم، وإن لم يكن فيها كفاف الطارئ رجع بالباقي على الموصى لهم، لأن بقية حقه في أيديهم، وقال الشافعية‏:‏ الوصية بغير العين كالدين توجب ‏(‏النقض إلا أن يوفوه، وبالمعين كالاستحقاق، والاستحقاق من نصيب أحدهما يبطل القسم في النصيبين أو في أحدهما أكثر فيخرج‏)‏ الصفقة عندهم‏.‏

القسم الثالث‏:‏ في أحكام متفرقة‏.‏ قال صاحب الاستذكار عن مالك‏:‏ إن الكتابين إذا اسلموا اقتسموا على مواريثهم في الكفر، وإن كانت ظلمًا، وغير الكتابين ينتقل حكمهم بالإسلام، وعنه‏:‏ انتقال الجميع، وقاله ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ والجمهور، لقوله عليه السلام في الموطأ‏:‏ ‏(‏أيما دار أو أرض قسمت في الجاهلية فهي على قسم الجاهلية وأيما دار أو أرض أدركها الإسلام ولم تقسم فهي على قسم الإسلام‏)‏ فهل يخص بقرينه قوله عليه السلام‏:‏ الجاهلية، أو يعم الكفار لعموم اللفظ‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقسم على الغائب مع الحاضر لأن القسم على مقر، بخلاف القضاء على الغائب؛ لأنه منكر، ويقسم القاضي دون صاحب الشرطة لأنه الناظر في أموال الغائبين، قال اللخمي‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن أصاب وجه الحكم جاز؛ لأنه حاكم كالقاضي، ويقيم الحدود، وقال مالك‏:‏ في بعض ولاة المياه ضرب لامرأة المفقود ثلاث سنين ثم أمرها بالنكاح، ثم جاءت إلى والي المدينة، قال‏:‏ فضرب لها سنة تمام الأربع ونفذ حكم الأول، قال‏:‏ والأول أظهر لأنه ليس بسؤال لذلك فهو كالأجنبي‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ الحالف ليقاسمن، أحب إلي الرفع للقاضي يقسم بينهم خوفًا من الدلسة‏.‏ في النكت قيل‏:‏ الدلسة‏:‏ إظهار القسم للخروج من اليمين، فإذا قسم انتفت، وقيل‏:‏ خوفًا من غبن الحالف فيؤدي إلى النقض فلا تبر اليمين إن كان لأجل أو نحوه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا قلعت الريح نخلة لك في أرض رجل، أو قلعتها أنت فلك غرس نخلة أو نحوها من سائر الشجر لا تكون أكثر استيلاء أو ضررًا على الأرض؛ لأن لك منفعة ذلك الموضع، فلك أخذه على الوجه الذي استحققته، ولا تغرس نخلتين لأنه غير المستحق، وليس له منعك أو وكيلك من الدخول للجذاذ أو غيره لدخوله على ذلك، وإن كانت أرضه مزروعة فلك السلوك مع من يجذها من غير ضرر، ولا تجمع نفرًا يطأون زرعه، ولو كان لك في وسط أرضه المزروعة أرض فيها رعي لم تسلك بما يشتد لعظم الضرر، ولك الدخول للاحتشاش لعدم الضرر، وإن كان لكل نهر ممره في أرض قوم لا تمنعهم غرس حافتيه شجرًا لأنه لا ضرر عليك، فمنعه ضرر، وإذا كنست بئرك حملت على سنة البلد في طرح الكناسة؛ فإن كان الطرح بضفتيه لم تطرح ذلك على شجرهم إن وجدت مكانًا، وإلا فبين الشجر؛ فإن ضاق ففوق شجرهم لتعين ضررك، وصاحب الحق مقدم على الطارئ، قال اللخمي‏:‏ يريد يغرس مكان النخلة نخلة أو غيرها‏:‏ ما لا يضر بباطن الأرض بانتشار العروق أو أقوى فيهلك ما يجاوره، ولا يضر بأعلاه بكثرة الفروع، فيمنع الشمس عن الأرض فتقل منفعتها‏.‏ وعن ابن القاسم فيمن خرج في أرضه عرق شجرة غيره في مكان آخر‏:‏ إن لم تكن له فيه منفعة ولا مضرة بقي لصاحب الأرض إلا أن يكون لو قلع له ثمن الخشب أو الحطب فيأخذ قيمته مقلوعًا، قال عيسى‏:‏ وإن كان إقراره مضرًا بأصل شجرته التي هو منها لم يقره إلا أن يرضى صاحب الشجرة، قال اللخمي‏:‏ فإن لم يرض وكان إن قطع في الأرض بين الفرع والشجرة نبت، قطع وأعطي قيمته مقلوعًا، وإن كان بنبت قطع وأخذه صاحبه، وجعل ابن القاسم حق صاحب النهر في موضع جريان الماء خاصة، والحافتين ملكًا لصاحب الأرض يغرسها إن أحب، ولا يطرح الآخر عليها إلا العادة، ولصاحب النهر منع صاحب الأرض من غرس حافتي النهر إذا أضر بشربه للماء لأصول الشجر بغوص عروق الشجرة في النهر فتضر بجريانه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يباع من الدار بقدر الدين قبل القسم لتقدم الدين على الميراث إلا أن يعطي الورثة الدين لتعلق حقهم بعين التركة، وحق الغريم إنما تعلق بالمالية‏.‏ فهم مقدمون في العين وهو مقدم في المالية‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ لا يقسم القاضي حتى يثبت عنده الموت وحصر الورثة وملك الميت للمقسوم، كان فيهم صغير أم لا، ولا يقضي بالقسم بتقاررهم، وإن كانوا بالغين ولا دين على الميت، وكذلك غير الورثة من الشركاء، ومشهور الشافعية مثلنا، ولهم القسم بإقرارهم، ويكتب لهم القسم بقولهم، وقال ‏(‏ح‏)‏ بالقول الثاني في غير العقار، وفي العقار إن نسبوه إلى غير إرث؛ فإن نسبوه إلى إرث‏:‏ فلا بد من البينة لاعترافهم بأنه انتقل من يد الغير، ونحن لا نعلم صحة تلك اليد، ولا صحة قولهم للميت لاعترافهم حتى يثبت موته، أما إذا اقتصروا على يدهم فاليد ظاهرة في الملك فتكفي، وجوابه‏:‏ أن اليد قد تكون بإجارة فيتصرف الحاكم في أموال الناس بغير مستند شرعي وهو فساد عظيم، وقال ابن حنبل‏:‏ لا يشترط الثبوت إلا في قسم الجبر لأنه حكم، والحكم بالجبر يعتمد مستندا شرعًا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا لم يرض أحدهم بما خرج لزمه؛ لأن قسم القاسم كحكم الحاكم لا ينتقض، وإن كره الخصوم، وإن قالوا غلطت، أو لم تعدل، أتم قسمه، ونظر الإمام؛ فإن وجده صوابًا وإلا رده، ولم ير مالك قسم القاسم كحكم الحاكم، قال صاحب المقدمات‏:‏ القسم من العقود اللازمة إذا وقع فيما يجوز قسمه على التراضي أو القرعة بوجه صحيح، ولا ينقضها أحدهم ولا يرجع عنها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ورثا نخلًا وكرمًا لم يعرفاه أو عرفه أحدهما لم يجز التراضي يأخذ أحدهما والآخر الآخر إلا أن يوصفا لهما؛ لأن هذا بيع يمنعه الغرر، ويجوز قسم الدار وصفت لهما لجوازها بيعًا، فأولى القسم لجوازه بالقرعة، ويمتنع شراء ما تخرجه القرعة، قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ لا يقسم إلا بالتراضي لئلًا ينضم غرر الغيبة لغرر القرعة بخلاف البيع فيه غرر واحد، والقسم يعتمد التقويم، فكيف يقوم بالبلد البعيد‏؟‏ وقد تكون السوق حالت أو انهدمت‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يجوز اشتراط الخيار في القسم فيما يجوز فيه البيع وكثرة الخيار وقلته، وهو لازم، ويبطل بالتصرف كالبيع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ دار داخلها لقوم وخارجها لقوم، وللداخلين الممر، فأراد الخارجون تحويل الباب إلى ما لا ضرر على الداخلين معه لقربه، فذلك لهم، وإن بعد منعوا، ولهم منعهم من تضييق الباب نفيًا للضرر، ولو قسم الداخلون فأراد أهل كل نصيب فتح باب لنصيبه إلى الخارجين منعهم الخارجون إلا من الباب الأول، قال ابن يونس‏:‏ منع سحنون تغيير الباب مطلقًا إلا منعهم الأبواب، كان الحائط الذي تغلق فيه الأبواب لهم أو للخارجين؛ لأنه خلاف ما وقعت عليه القسمة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اقتسما كل واحد طائفة من الدار فمن صارت له الأجنحة فهي له، ولا تعد من الفناء، وإن كانت في هواء الأفنية، بل تعد من البناء؛ لأنه في معناه، وفناء الدار لهم أجمعين يرتفقون فيه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اقتسموا الدار وتركوا الساحة مرتفقًا‏:‏ فكل واحد أولى بما بين يدي باب بيته، ولا يطرح حطبه ولا علف دوابه بين يدي باب غيره إن كان في الدار سعة، وإن وقع بعض ذلك جاز إلا أن يضر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اقتسموا الفناء والساحة رفعوا الطريق ولا يعرض فيها أحدهم لصاحبه لأنها من المصالح العامة، وإن اقتسموا على أن يصير كل واحد بابه ناحية أخرى ولا يدعوا طريقًا بتراض جاز؛ لأنه حقهم، وإن اقتسموا البناء، ثم قسموا الساحة ولم يذكروا رفع الطريق فوقع باب الدار في حظ أحدهم ورضي؛ فإن لم يشترطوا في القسم أن طريق كل حصة فيها الطريق بينهما على حالها؛ لأنه العادة، ومالك باب الدار لمن وقع في نصيبه، ولباقيهم فيه الممر لأنه عادتهم لم ينقضوها بشرط‏.‏ فإن اقتسموا الساحة وهي واسعة يقع لكل واحد ما يرتفق به ولا يخرج إلا من باب الدار‏.‏ واختلفوا في سعة الطريق جعلت سعة الحمولة؛ قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا لم يذكروا الطريق عند القسم أعيد القسم على معرفة مخرج كل سهم وما لم يشترطوا قطع الطريق؛ لأن القسم حينئذ ليس من قسم الناس، وكذلك لو اقتسموا دارا بتراض بلا سهم أو به فصار مجرى مائها في نصيب أحدهم‏:‏ قال اللخمي‏:‏ إذا لم يكن لأحدهم مكان يفتح فيه امتنعت القسمة بالقرعة وبالتراضي إلا على بقاء الطريق؛ لأنها قسمة المسلمين‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تراضيا بأن لأحدهما دبر الدار وللآخر مقدمها على عدم الطريق للداخل على الخارج جاز إن كان له موضع يصرف له بابه وإلا فلا للضرر، وكذلك أخذ العلو على أن لا طريق في السفل‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ يخير الممتنع من القسم فيما ينقسم، وإن لم ينقسم خير الممتنع من البيع، وله أخذ الجميع بما يعطي فيه؛ لأن من حق الشريك أن ينتفع بملكه سالمًا عن ضرر الشركة أصلًا أو ثمنًا وقد تقدم خلاف ‏(‏ش‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ وجد أحدهما في نصيبه جبًا يعاد القسم لعدم تعديل الملك؛ فإن فات ببناء فللآخر قيمة نصف ذلك كبيوت وجدها أسفل بيوت لم يعلم بها‏.‏ وقال سحنون‏:‏ إذا وجد بئرًا عادية فهي له دون شريكه، وكذلك الغمد والصخر، وكذلك المشتري، قال سحنون‏:‏ كل ما وجد قديمًا ليس من تركة الميت فلواجده، والذهب والفضة والنحاس كالكنز، إن كان بأرض العرب فلواجده، أو عنوة فللفاتحين لها؛ فإن جهلوا فللمساكين من تلك البلد، أو صلحًا فللذين صولحوا، وقال ابن نافع‏:‏ الكنز كله لواجده، وهذا الفرع ينبني على أن من ملك ظاهر الأرض هل ملك باطنها أم لا‏؟‏ وفيه قولان في المذهب‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ لا تقسم التركة حتى يوضع الحمل ليعلم على أي جزء تقسم، وكم التركة، ولا ينظر للاستبراء بل حتى يظهر، ولو أبطأ الحيض ومضى الاستبراء لا تقسم حتى يتبين؛ فإن الحامل قد تحيض فيضيع نصيب الجنين من غير ضرورة‏.‏

كتاب الشفعة

قال صاحب التنبيهات‏:‏ هي بسكون الفاء مشتقة من الشفع ضد الوتر، لأنه يضم المأخوذ لملكه، وقيل‏:‏ الشفعة‏:‏ الزيادة، والآخذ يزيد ماله بالمأخوذ، قال الله تعالى‏:‏ ‏(‏من يشفع شفاعة حسنة‏)‏ أي من يزدد عملا صالحا إلى عمله، وقيل‏:‏ من الشفاعة لأنه يستشفع بنصيبه إلى نصيب صاحبه، وقيل‏:‏ بل كانوا في الجاهلية إذا باع أحدهم حصته أو أصله أتى المجاور شافعًا إلى المشتري ليوليه إياه، وأصلها ما في الصحاح‏:‏ ‏(‏قضى عليه السلام بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة‏)‏‏.‏

وفيه ثلاث مقاصد‏:‏ الشفعة في المشترك، وسقوطها في الجوار؛ لأن الحد بين الجارين حاصل، وأنها في الرباع دون العروض والحيوان، وفي مسلم‏:‏ ‏(‏الشفعة في كل شرك لم يقسم‏:‏ ربع أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه؛ فإن شاء أخذ وإن شاء ترك؛ فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق‏)‏ فجعلها قبل البيع‏.‏

وفيه ثلاثة أبواب‏:‏

الأول في الأركان

وهي أربعة‏:‏ الآخذ، والمأخوذ والمأخوذ منه، وما به الآخذ‏.‏

الركن الأول‏:‏ الآخذ، وهو كل شريك في الملك، وفي الكتاب‏:‏ للذمي الآخذ، باع المسلم من مسلم أو ذمي كالمسلم؛ فإن كان الشريكان ذميين لم أتعرض لهما إلا أن يترافعوا إلينا، لأنا لا نتعرض للذمة إلا في التظالم، وهذا سبب ملك كالبيع، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ في استواء الذمي والمسلم في الشفعة، وخالفنا أحمد، لنا‏:‏ عموم النصوص المتقدمة، ولأنه لو أعتق شخصًا من عبد بينه وبين مسلم قوم عليه كالمسلم فيستويان هاهنا بجامع أحكام الملك، وقياسًا على الرد بالعيب في البيع بجامع نفي الضرر، ولأنها من حقوق المال فيستوي فيها الذمي وغيره كخيار الشرط، وإمساك الرهن، والمطالبة بالأجل في السلم وغيره‏.‏ احتج بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا شفعة لنصراني‏)‏ ولقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلًا‏)‏ وشفعته سبيل، ولأنه ليس إحياء الأرض الموات لما فيه من تفويت الرقبة على المسلمين، فأن لا يأخذ بالشفعة أولى، لأن الإحياء لم يتعلق به حق معين، والشفعة ثبت الملك فيها لمعين‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ منع الصحة، سلمنا صحته، لكن يحمل على الجار أو على شفاعته عليه السلام‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ أن معناه‏:‏ بغير سبب شرعي، أما بالسبب الشرعي فله المطالبة إجماعًا كقبض المبيع من المسلم والدين وغيرهما‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ الفرق بأن الإحياء تفويت الرقبة على المسلمين بغير بدل، والشفعة بدلها الثمن، مع أنه روي عن مالك‏:‏ له الإحياء في بلد المسلمين إلا جزيرة العرب‏.‏

تفريع‏:‏ قال التونسي‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا باع المسلم من ذمي لا يأخذ الذمي؛ فإن باع نصراني من نصراني فللمسلم الأخذ، لأنه حكم لمسلم؛ فإن باع بخمر أو خنزير فبقيمة الشقص عند أشهب لتعذر رد الثمن، ولا قيمة للخمر، وبقيمة الخمر عند ابن عبد الحكم، وهو أشبه بمذهب ابن القاسم؛ لأنه مما يضمن بالقيمة عند استهلاكه للنصراني، وعند عبد الملك‏:‏ إذا استهلكه المسلم لنصراني لا قيمة عليه، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا كان الثلاثة ذمة لا شفعة، وإن ترافعوا إلينا؛ لأن الشفعة ليست من باب التظالم عندهم إلا أن يكون أحدهم مسلمًا، قال صاحب النوادر‏:‏ في الموازية‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا كان الشريكان نصرانيين فباع أحدهما حصته قضينا بالشفعة إن ترافعوا إلينا، قال سحنون‏:‏ إذا حبس المرتد؛ فإن تاب فله الشفعة، وإن قتل فهي للسلطان يأخذها إن شاء لبيت المال أو يترك، وقبل التوبة هو محجور عليه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ ثلاثة أخوة أحدهم لأب باع أحد الشقيقين فهي للأخوين لأن ميراثهم كلهم بالبنوة، ولو ولد أحدهم أولادًا ثم مات فشفعة الأولاد بينهم دون الأعمام ‏(‏لأنهم أهل ميراث واحد؛ فإن سلموا فهي للأعمام؛ فإن باع أحد الأعمام فهي‏)‏ لبقيتهم مع بني أخيهم لدخولهم مدخل سهم، وإن ترك ابنتين وعصبة قدمت إحداهما على العصبة لأنهما أهل سهم؛ فإن سلمت فللعصبة، ولو باع أحد العصبة فهي لبقيتهم وللبنات والأخوات مع البنات كالعصبة؛ فإن كانت الدار بين شريكين فمات أحدهما وترك عصبة فباع أحدهم فبقيتهم أحق من الأجنبي، لأنهم أهل سهم؛ فإن سلموا فهي للشريك؛ فإن ترك أختا شقيقة وأختين لأب فأخذت النصف والأخريان السدس فهي لأختها الشقيقة، لأنهما أهل سهم واحد، وهو الثلثان، والأخوة أولى بها بينهم إذا باع أحدهم، وكذلك الجدات، قال التونسي‏:‏ قال مالك‏:‏ وأصحابه أهل كل سهم أولى إلا ابن دينار، ومتى سلم أهل السهم الشفعة فأهل السهام والعصبة سواء؛ لأن سببهم عموم المورث لا خصوص سبب، فيستوون؛ فإن سلم جملة الورثة فالشركاء بعدهم، ولو باع أحد العصبة لدخل أهل السهام مع بقية العصبة، ولم ير العصبة أهل سهم، وجعلهم أشهب كأهل سهم، يختصون بها، والموصى لهم بالثلث أو بجزء مسمى عند ابن القاسم، لا يدخلون مع الورثة، ويدخل الورثة معهم، وعند محمد وأشهب كأهل سهم، ‏(‏وإذا أوصى أحد ولد الميت لرجل واحد فباع أخوة الموصي‏:‏ قال محمد‏:‏ يدخل الموصى له معهم، لأنه كأهل سهم‏)‏ لأنه لو كان الموصى له جماعة شافعوا بينهم دون الورثة، فمن كان شافعًا مع أصحابه لا يدخل على من لا يشافعهم، ولو كان أصحابه يشافعون الورثة دخل على الورثة، قال‏:‏ وهذا لا يصح، لأن أهل السهم الواحد يتشافعون بينهم، ولا يمنعهم ذلك من الدخول على بقية الورثة الذين لا يشافعونهم، ولو كان أهل السهم واحدًا ليس له من يشافعه‏:‏ شافعه جملة الورثة لعدم من يمنعهم، وإذا باع أهل سهم معلوم فسلم بقيتهم وبقية الشركاء، ثم باع أحد الشركاء الذين ليسوا بأهل سهم واحد فللمشتري النصيب، ولشركائه وبقية الورثة التحاصص في هذا المبيع؛ لأنه حل محل البائع منه لما سلم له بقية شركائه وبقية الورثة، وإن ورثه ابنه وامرأته فمات الابن عن أخته وأمه وعصبة فباع بعض العصبة، ففي كتاب محمد‏:‏ تشافع الأخت والأم العصبة لما ورثا من الميت الأول والثاني، قال‏:‏ وفيه نظر لأن موت الابن يوجب وراثة ثانية فلا يضربوا مع بقية العصبة إلا بالقدر الذي ورثوه معهم؛ لأن الضرب بالميراث الأول إضرار بالعصبة، ويلزم عليه إذا ورثه أولاده فمات أحدهم عن أخوته وورثه أن يدخل ورثته فيما باع أحد ورثة الابن، إذ لا فرق بين عدم ميراثهم في الثاني أو يكونون يتحاصون بما ورثوه من غيره، ويلزم أن شركاء الميت يحاصون بقية ورثة الميت في مبيع أحدهم، والمعروف خلافه، وأما الشقيقة مع أخوات الأب‏:‏ فأشهب يرى عدم دخول الشقيقة لاختصاصهن بالسدس دونها، قال ابن يونس‏:‏ ثلاثة اشتروا دارًا أو ورثوها فباع أحدهم من نفر وسلم الشريكان فباع أحد النفر فبقية النفر أشفع من شريكي البائع، ولو باع أحد شريكي البائع لدخل شريكه الذي لم يبع وسائر النفر فلهم النصف، ولشريكهم الذي لم يبع النصف، وخالفه ابن القاسم وقال‏:‏ لا يكون النفر أشفع فيما باع بعضهم، بل هم كبائعهم يقومون مقامه، بخلاف ورثة الوارث أو ورثة المشتري، والفرق‏:‏ أن السهم الموروث لا شفعة به لشركاء الميت مع الورثة، وإذا باع أحد الورثة فبقيتهم أشفع من شركاء الميت، وشركاء البائع لهم الشفعة والتسليم، فلهم الدخول فيما باع أحد الشريكين كما لهم الدخول فيما اشتروا، قال ابن القاسم‏:‏ ولو باع أحد شريكي البائع الأول لدخول المشترون مع من بقي من شركاء بائعهم بقدر حصص بائعهم، وقال أصبغ‏:‏ لم يثبت أن أهل السهم المفروض هم الذين يتشافعون خاصة، وعليه جماعة الناس‏.‏

قال اللخمي‏:‏ الدار في مسألة الأخوة إذا خلف أحدهم أولادًا إن انقسمت أسباعًا فما قال ابن القاسم‏:‏؛ لأن الدار تنقسم قسمين، فتقسم أولًا أثلاثًا فإذا صار لبني البنين سهم قسموه أثلاثًا كدار قائمة بنفسها فبعضهم أحق ممن لا يصير له في ذلك الثلث شرك ينتفي الضرر، وإن كانت لا تنقسم بحال شفع كل من له فيها شرك بوارثة أو غيرها، لاشتراكهم في الضرر فيها إذا ادعى أحد الشركاء البيع لأنها لا تنقسم، وخروج الدار من الملك أشد من ضرر المقاسمة، وإن كانت تنقسم أثلاثًا خاصة فباع أحد الأعمام شفع جميعهم، لأن بني الأخوة شركتهم مع أعمامهم فيما ينقسم، وإن باع أحد بني الأخوة‏:‏ فعلى قول مالك‏:‏ الشفعة فيما لا ينقسم‏:‏ يتشافعون دون أعمامهم، وعلى قوله الآخر‏:‏ فهي للأعمام خاصة، لأن بني الأعمام يقولون نحن نشفع فيما يقبل القسم، ولا شفعة لبعضكم على بعض، لأن نصيبكم لا يقبل القسم، ولو كانت الدار فيها شرك بغير وارثه بعد وارثة فعلى قوله في المدونة‏:‏ إن باع أحد الورثة السفلى كانت الشفعة لبقيتهم، سلموا لأهل الوارثة الأولى‏:‏ فإن سلموا فللشركاء، وإن باع أحد الورثة الأولى شفعوا أجمعون بقية الشركاء، وأهل الوارثتين، وعلى الرواية الأخرى‏:‏ يشترك الشركاء وأهل الوارثتين باع أحد الشركاء أو أهل الوارثة الأولى أو الآخرة، قال‏:‏ وأرى أن تعتبر صفة القسمة هل تنقسم أسباعاً أو أثلاثًا، أو لا تنقسم إلى نصفين على أصل الشركة قبل الوراثة، أو لا تنقسم بحال، وكل موضع يكون للمشتري أن يدعو للقسمة أستشفع منه، أو له أن يدعو للبيع فقط، يختلف هل تكون شفعة أم لا‏؟‏ وكل موضع ليس له طلب القسم ولا البيع فلا شفعة له بأن يكون لا يقبل القسم، ولو باع هذا نصيبه لم ينقص عن بيع الجملة، ولو كانت دارًا بين ثلاثة لأحدهم النصف ولاثنين النصف وهي تنقسم نصفين، ولا تنقسم أرباعًا، وإن باع أحد صاحب النصف فاستشفع الاثنان أو أحد الاثنينن شفع صاحب الربع على أحد قولي مالك، وعلى القول الآخر‏:‏ لصاحب النصف دونه، وقال ابن القاسم‏:‏‏:‏ في ثلاثة شركاء باع أحدهم نصيبه من ثلاثة، ثم باع أحد هؤلاء الثلاثة نصيبه من ذلك الثلث‏:‏ إن الشفعة لجميعهم، وقال أشهب‏:‏ لبقية أصحاب الثلث، قال‏:‏ وأرى أن الشركة بميراث أو غيره سواء، وإنما تراعى صفة القسم لاختصاص الضرر بها، وإذا كانت الدار بوراثة واحدة مختلفين في المنازل‏:‏ زوجات وبنات وأخوات وعصبة، فباعت إحدى الزوجات فالشفعة لبقيتهم؛ فإن سلمن فلبقية الورثة أهل السهام الآخرين وغيرهم؛ فإن باع أحد البنات شفع بقيتهن؛ فإن سلمن فلجميع الورثة‏:‏ الزوجات والجدات، واختلف إذا باع أحد العصبة‏:‏ فقال مالك‏:‏ مرة‏:‏ هم كأهل سهم، الشفعة لبقيتهم وقال أيضًا‏:‏ لجميع الورثة وكذلك إذا خلف بنات وأخوات فباعت إحدى البنات شفع بقيتهن؛ فإن سلمن شفع الأخوات، واختلف إذا باعت إحدى الأخوات هل يشفع بقيتهن فقط أو الجميع‏؟‏ لأن الأخوات هاهنا عصبة البنات، فعلى القول أنهن كأهل سهم يكون من حق البنات أن تقسم الدار أثلاثا، ثم يقسم الأخوات ثلثهن إن كن ثلاثًا أثلاثا، وعلى القول الآخر من حق الأخوات أن يقسم من الأول أسباعا، وقال ابن القاسم‏:‏‏:‏ في شقيقة وأخوات لأب فباعت إحدى الأخوات شفع جميعهن، وقال أشهب‏:‏ بل يشفع بقية الأخوات للأب؛ فإن سلمن شفعت الشقيقة، قال‏:‏ وهو أحسن، لأن من حقها أن يقسم لها من الأول النصف، ثم يقسم أولئك بينهن السدس فهو سهم يسلم إليهن، وهذا إذا كان السدس يحمل القسم، وإذا أوصى الميت أن يباع نصيب من داره من رجل بعينه، والثلث يحمله لم يشفع الورثة فيه، لأن قصد الميت تمليكه إياه، وجعل سحنون مثله إذا أوصى ببيع نصيب يصرف ثمنه في المساكين كان الميت باعه، قال‏:‏ والقياس‏:‏ أن يشفعوا لتأخير البيع بعد الموت بعد تحقق الشركة، ولو أوصى أن يباع من معين والشريك أجنبي‏:‏ شفع لأن ذلك لا ينكر على الوصية بخلاف الوارث، وفي المجموعة‏:‏ لو باع الإمام أرضه مزايدة في دينه فقال أحد الورثة بعد البيع‏:‏ أنا أؤدي من الدين بقدر ما علي، وآخذ نصيب شركائي بالشفعة، فله ذلك إذا كان في بقية ما يباع من الأرض تمام الدين، وقال صاحب النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا أوصى بدار لخمسة عشر رجلًا، لعشرة سماهم ثلثاها، لفلان وفلان منهم السدس، وللسبعة منهم النصف، وبقية الدار للخمسة الآخرين؛ فإن باع أحد الخمسة فباقيهم أشفع؛ فإن سلموا فلجميع العشرة؛ فإن باع أحد السبعة فبقية السبعة أحق من الخمسة، وعن مالك في أخوة ورثوا فباع أحدهم فسلم أخوته، ثم باع أحدهم شفع المشتري الأول مع من لم يبع، ومتى سلم بقية أهل سهم فالشفعة لبقية أهل الميراث؛ فإن سلموا كلهم ثم باع أحد المشترين نصيبه مما اشترى استوى بقية أهل ذلك السهم وشركاء البائع المشترون معه وبقية الورثة، وليس المشتري كالورثة فيدخل أهل السهام، على العصبة والمشترين من أهل السهام، ولا يدخل المشترون ولا العصبة عليهم، وقال أشهب‏:‏ في ثلاثة ورثوا دارًا أو اشتروها فباع أحدهم من نفر فسلم الشريكان، ثم باع أحد المشترين نصيبه، فبقية المشترين أشفع من شريكي البائع، ولو باع أحد شريكي البائع لدخل شريكه والمشترون وجعل المشتري من الشريك كورثته، وخالفه ابن القاسم وقال‏:‏ لا يكون المشتري الأول أشفع فيما باع بعضهم دون شركاء بائعه، بخلاف ورثة الوارث أو ورثة المشتري، وذكره مالك، وجعل المشتري كبائعه والموصى لهم كالعصبة مع أهل السهام، قال الأبهري‏:‏ أهل كل سهم أحق بالشفعة بينهم فيما ورثوا، أما ما اشتروا أو وهب لهم أو وصل إليهم بغير الإرث فلا، بل يستوون؛ فإن باع المشتري من الميراث من أهل السهام دخل أهل السهام مع المشترين منهم، ولا يكون المشترون أولى بالشفعة فيما اشتروا من بعض أهل السهام؛ لأن حرمة السهام آكد من حرمة الشراء لأن الشراء قد لا يقع، والميراث لا بد من وقوعه‏.‏

وفي الجواهر‏:‏ كل صاحب شرك أخص يقدم على الأعم؛ فإن سلم أخذ الذي يليه، ‏(‏فإن سلم الذي يليه فالذي يليه‏)‏ فإن باعت إحدى الأختين شفعت أختها؛ فإن سلمت فأهل السهام والعصبة؛ فإن سلموا فالشركاء الأجانب، ويدخل أهل السهام على العصبة بخلاف العكس، لأن العصبة ليسوا أهل سهم، وقال أشهب‏:‏ لا يدخل أحدهما على الآخر وجعلهم كأهل سهم، وعن مالك‏:‏ الأخص والأعم سواء فكل من له ملك في المبيع يشفع، قال القاضي‏:‏ أبو الحسن‏:‏ وهو القياس، والأول استحسان، واختلف قول ‏(‏ش‏)‏ كمالك، وسوى أبو حنيفة بين الشركاء، لنا‏:‏ أن ملك الأخ أقرب إلى ملك الأخ من ملك العم لحصولهما بسبب واحد وجمعهما بمعنى واحد، فيكون أولى بدليل تقدم الشريك على الجار المقابل، ولأن نصيب الأخوين في حكم النصيب الواحد، بدليل أنه لو ثبت أن الأب غصب شيئًا استحق من نصيبهما دون نصيب العم، فيقدم أحدهما على العم، احتج بظواهر النصوص كقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الشفعة للشريك الذي لم يقاسم‏)‏ وهو عام، وبالقياس على ثلاثة ملكوا من جهة واحدة هبة أو غيرها، ولأنها لأجل الضرر وهم فيه سواء‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أنها مخصوصة بما ذكرنا جمعًا بينها وبين المعنى المناسب‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ الفرق بما ذكرناه من معنى القرب‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ لا نسلم أنها لمطلق الضرر، بل للضرر مع قوة الملك الذي هو سبب الأخذ جمعًا بين المناسبتين، وهو أولى من إلغاء أحدهما‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اقتسموا الدار دون الساحة فباع أحدهم ما صار له من الدار، فلا شفعة لعدم الشركة، ولا شفعة بالحريم ولا بالشركة في الطريق، ولكن له طريق في دار فبيعت الدار لبعد هذه الأمور عن البيع، قال ابن يونس‏:‏ عن مالك‏:‏ إذا قسمت النخل وبقي محلها أو ماؤها من بئر أو عين أو نهر، فلا شفعة، وقاله عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لأنه بيع لأصل لا شفعة فيه، وبقاء المشتري بلا محل ولا بئر أشد من ضرر الشركة، وقال اللخمي‏:‏ للشركاء رد المبيع في الساحة إذا كان البائع يتصرف إلى البيوت للضرر‏.‏ وإن كان أسقط حقه من عنده وجميع بيوته إلى حق آخر، وفتح له من دار أخرى، وكان بيعه من أهل الدار جاز ذلك، وكان لبقية الورثة الشفعة على أحد القولين في وجوب الشفعة فيما لا ينقسم، وإن باع من غير أهل الدار ردوا بيعه للضرر، ولهم الإجازة والأخذ بالشفعة‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يقوم بشفعة الصغير أبوه أو وصية لأنها من باب تنمية المال؛ فإن لم يكونا فالام تنظر له وإلا أخذ للجد بل يرفعه للإمام، لأنه الناظر لمن لا ناظر له؛ فإن عدم الأب والوصي بموضع لا إمام به أخذ إذا بلغ لأنها حقه، ولم يسقطها ولو سلمها الأب أو الوصي أو السلطان امتنع أخذه إذا بلغ، لنفوذ تصرفهم عليه، ولو أهمل الأب حتى بلغ وقد مضى لذلك عشر سنين فلا شفعة لأن إهمال أبيه كإهماله، قال التونسي‏:‏ للمأذون له الشفعة، لأنها من ضبط المال؛ فإن ترك سيده قبل أخذه أو أخذ قبل تركه مضى، لأن السيد الأصل؛ فإن سبق العبد بالأخذ أو الترك مضى لأنه مقتضى الإذن؛ فإن أحاط الدين بماله فلا أخذ لسيده ولا ترك، لأن ذلك قد يضر بغرمائه وجعل ترك السيد شفعة العبد المديان لا يلزم العبد بخلاف تحجيره عليه التجارة، لأن الشفعة كالأمر الواجب له، ليس للسيد إبطاله، وإذا اطلع السيد على غبن عبده في الإسلام أو الأخذ، أو أن ذلك محاباة للمشتري لم يجز ذلك، ولا يعتبر سبق السيد المكاتب لأنه لا يقدر على انتزاع ماله، وله نقض الأخذ والإسلام لأنه قد يفضي إلى عجزه، قال أشهب‏:‏ إلا أن يتبين من المكاتب محاباة بالهواء في المسلم إليه أو المأخوذ منه بحطيطة، ولو أخذ السيد فسلم المكاتب ثم عجز فلا أخذ للسيد، لأن المسلم كان نافذ التصرف، والمعتق بعضه لا يأخذ إلا بإجماع منه وممن له فيه رق لاجتماع السببين فيه؛ فإن أسلمها أحدهما ثم عتق بقيته لا أخذ له، لأن مسلمها نافذ التصرف عليه حين تصرف، ويحسب للصغير بعد بلوغه ورشده مدة سنة عند أشهب لأنه يقطعها بها، وكذلك الغائب إذا قدم، علم في غيبته بها أم لا، وكذلك المريض، وقاله عبد الملك لهم بعد القدوم والكبر والصحة والتأخير إلى ما تنقطع به للحاضر، ولم يقل بأن السنة تقطع، وقال أصبغ‏:‏ المريض كالصحيح إلا أن يشهد في مرضه قبل مضي وقت الشفعة أنه على شفعته ، وأنه إنما ترك التوكيل عجزًا، وإذا لم يأخذ الوصي عند مدة انقطاعها بطلت، وسواء رأى الأخذ خطأ أو الترك، لأنها قد تكون مربحة وغيرها أكثر ربحًا منها، ولو رشد قبل مدة الأخذ حسبت مدة الأخذ من يوم وجبت لأنه يبني على ما كان، وإن اختلف الوصيان نظر الإمام، لأنه ليس أحدهما أولى من الآخر؛ فإن أخذ أحدهما وسلم الآخر ولم ينظر الإمام حتى رشد وقد مضى مدة الشفعة واستضر بذلك المشتري بطلت، أو ترك الصبي الذي يأخذ خير بعد رشده في الأخذ والإسلام، لأن فعل أحد الوصيين لا يلزمه، وإن رفعت الأم بعد طول وهو لم يرشد فكما إذا رشد، ولم يجعل سحنون الأخذ والشقص في يد الآخذ بالشفعة من الوصيين رضا منه، وليستعين القاضي بأهل المشورة، ولا يمطل المشتري إلى أن يولي الصبي رجلًا إلا أن يكون على ثقة من وجود ذلك عاجلًا نحو ثلاثة أيام، وليس لغرماء المديون أخذ شفعته ليأخذوا منها ديونهم، بل يخير الورثة فيها كموروثهم؛ فإن أخذوا بيعت في الدين؛ فإن أخذوا بمال الميت فللغرماء الثمن والفضل؛ فإن أخذوا لهم بيع عليهم؛ فإن كانت إن بيعت لم يحصل إلا ما أخرجوه من أموالهم لم يبع لعدم الفائدة، ولا يلزم المفلس الأخذ ولا لغرمائه أخذ، لأنه لا يلزمه الاكتساب، قال أشهب‏:‏ إني أخاف أن لا تكون له شفعة إن كان إنما يأخذ ليباع للغرماء، والشفعة إنما شرعت لينتفع بها الآخذ لنفي الضرر، فلا يضر المشتري للغير، ولو قال ذلك قائل ما رددته، وأما المريض وإن أخذ لغيره فلأنهم ورثته، ولهم الأخذ بعد موته، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ الشفعة للمولى عليه والصغير أبدًا حتى يقيما بعد زوال الولاية سنة لعدم الأهلية قبل ذلك، وفي المدونة‏:‏ قال مالك‏:‏ لا يأخذ الوصي للحمل حتى يستهل لعدم توريثه قبل ذلك، وقال اللخمي‏:‏ إذا رشد الصبي لم يكن له أخذ ما ترك وليه ولا رد ما أخذ إلا أن يثبت أن الأخذ ليس حسن نظر أو أن الترك محاباة، لأن الله تعالى لم يول على قربان ماله إلا بالتي هي أحسن، فهو معزول عن غير ذلك، وعن مالك‏:‏ إذا علم أن تركه سوء نظر لا شفعة‏.‏

كما لو ترك شراء ما فيه غبطة، وإذا حكم برشده فله تمام السنة من يوم وجبت؛ فإن لم يكن له ناظر ولا وصي استوفيت السنة عند محمد من يوم ولي أمره، وعند ابن حبيب‏:‏ من يوم البلوغ نظرًا إلى التمكن من التصرف، أو يكفي حصول سببه‏.‏

والبكر من يوم الدخول، والغائب من يوم القدوم، والمريض من يوم الصحة؛ فإن بلغ سفيهًا وقام بعد مدة بعد الرشد فلا شفعة له إلا أن يكون الأخذ قبل ذلك حسن نظر، وأما المريض؛ فإن كان ينظر في أمر دنياه بالبيع والشراء فهو كالصحيح، وإن أعرض عن ذلك ثم قال‏:‏ كنت تركت له قبل قوله، وليس من يكون ورثته ولدًا ويعلم منه الاجتهاد كمن يرثه عصبة فلا يصدق إن كانوا عصبة، وقال محمد‏:‏ إن قربت غيبة الغائب ولا مؤنة عليه في الشخوص فهو كالحاضر، وقال غيره‏:‏ ليس علم المرأة الضعيف ومن تعسر عليه الحركة كغيره، وإنما يجتهد في ذلك الإمام وليس المجتهد في رباعه وتقاضي أكريته كالمتراخي في أموره، والغيبة البعيدة أربعة أقسام‏:‏ تغيب الشفيع وحده أو المشتري أو كلاهما واحدًا أو مفترقين؛ فإن غاب الشفيع فهو عليها بعد القدوم، وإن كان حاضرًا ثم غاب وعاد قبل المدة أو منعه مانع حتى مضت المدة فهو عليها بعد خلفه، وإن كان السفر بعيدًا لا يرجع حتى تمضي السنة فقطعه قاطع عن التمادي فلا شفعة له لرضاه أولًا بذلك، قال محمد‏:‏ وإن ترك الغائب وكيلًا فأكرى وهدم وبنى بحضرة الشفيع فهو على شفعته لاستثقال الناس التردد للقضاة، قال‏:‏ وهذا يحسن من قوله فيمن يعلم منه ثقل ذلك عليه، أما من يعلم منه الدخول للقاضي فتبطل شفعته إلا أن يكون في الوكالة تسليم الشفعة والإشهاد ببينة عادلة فلا شفعة، وإن كانا مجتمعين في بلد وغائبين عن موضع الشقص‏:‏ فلا شفعة بعد المدة، لأنه لا عبرة بغيبة، الدار لأنه يأخذ على شراء المشتري، وإن قال‏:‏ أخروني حتى أرى لم يؤخر إلا أن يكون الشقص على ساعة من نهار، قال صاحب النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ الغائب على شفعته إلا أن يقوم بعد طول يجهل في مثله أصل البيع ويموت الشهود، وأما مع قرب الأمد مما يرى أن البائع أخفى الثمن ليقطع الشفعة فيأخذ على ما يرى من ثمنها يوم البيع، وإن مات الغائب في غيبته فللورثة الأخذ، وإن كان المشتري والشفيع غائبين كل واحد بموضع، فقدم الشفيع على المبتاع وأقام معه ما تنقطع فيه الشفعة لا يبطله، بطلت الشفعة لتفريطه، قال أشهب‏:‏ ولا تسليم لأحد من أقارب الصبي إلا أب أو وصي أو من استخلفه السلطان، وإذا اختلف الوصيان ولم يرفع للإمام حتى تمت السنة؛ فإن كان ذلك بيد المبتاع زالت الشفعة، أو بيد الآخر خير الصبي بعد البلوغ في الأخذ؛ فإن لم يبلغ نظر له السلطان أيضًا‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ له التوكيل في الآخذ غبت أم حضرت قياسًا على البيع، ولا يلزمك تسليم الوكيل إلا أن تفوض له ذلك، ولو أقر الوكيل أنك سلمت فهو كشاهد يحلف معه المبتاع؛ فإن نكل حلفت وأخذت، ولو أقام بينة أن فلانًا وكله الغائب في الأخذ مكن من ذلك كالبيع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الشفيع مقدم على غرماء المشتري، وإن كان في الشقص فضل، كالمرتهن في الرهن والبائع في السلعة، لأنه يعطي الثمن بفضله فلا ضرر على الفريقين، ولا يجبره غرماؤه على الأخذ كشراء السلع للربح، بل له الأخذ والترك، وإن أحاط الدين بماله، قال التونسي‏:‏ ليس لغرماء الميت أخذها ليفوا دينهم والفضل للورثة، بل يخير الوارث، لأن إنشاء البيع لا يجب عليه، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ لمن أحاط الدين بما له الأخذ ما لم يفلس فيمنعوه إن كان نظرًا لهم، وليس لهم إلزامه الأخذ، وإن كان فيه فضل، كما لا يعتصر ما وهب، ولمالك تفصيل حسن في الورثة لم يقف عليه أشهب، وكان يحب سحنون أن يبدأ بالورثة فيقال لهم‏:‏ إن قضيتم الدين فلكم الشفعة، لأن الميراث بعد الدين؛ فإن أبوا بيع ميراث الميت للدين ولا شفعة لهم، لأن النصيب الذي يستشفع به قد بيع، قال اللخمي‏:‏ إذا اختلف الشفيع وغرماؤه قدم طالب الترك، لأنهم لا يجبروه على التجارة إن ترك، ومن حقهم أخذ الناض بالحضرة، ولا يتأخروا لبيع الشقص ويتوقعون الاستحقاق، وهذا هو القياس، والاستحسان إن كان فضل والبيع لا يتراخى إلى اليومين، واتفقوا على الأخذ جاز، لعدم الضرر ولندور الاستحقاق، وإن مات الشفيع بغير وارث والمال لا يوفي وفي الأخذ، فضل‏:‏ فلغرمائه الأخذ‏.‏ ومتى اتفق ورثته على أخذ أو ترك قدموا؛ فإن اختلفوا قدم طالب الأخذ من غريم أو وارث إلا أن ذلك للغرماء مع الفضل؛ فإن بقي من الفضل شيء فهو ميراث، وإذا قال الغرماء‏:‏ لا تدفع أموالنا إلا أن يكون الفضل لنا مكنوا، قال‏:‏ وكل هذه الفروع بالاستشفاع للبيع، قال صاحب النوادر‏:‏ قال المغيرة‏:‏ إذا أبى الورثة قضاء الدين وقالوا‏:‏ يباع المال؛ فإن كان فضل ورثناه، لا شفعة لهم ولا للغرماء، لأن الغرماء لا يملكون الشقص الذي به الشفعة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القصار‏:‏ الشفعة تورث علم بها الموروث أم لا، وقاله ‏(‏ش‏)‏ خلافا ل ‏(‏ح‏)‏ لنا‏:‏ قوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولكم نصف ما ترك أزواجكم‏)‏ وقوله عليه السلام ‏(‏الشفعة فيما لم يقسم‏)‏ وقياسًا على الرد بالعيب وحق الرهن والكفيل، أحتج بأن الدين المؤجل يحل بالموت، ولا يرث الوارث الأجل، وقياسًا على قبول البيع إذا مات قبله وبعد الإيجاب، وقياسًا على نفي الولد باللعان، ولأن ملك الوارث متجدد فأشبه ما لو باع ما به يشفع لم ينتقل الملك للمشتري‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الحق إنما ثبت لموروثه في ذمته وقد خربت فتعذر بقاؤه‏.‏ وعن الثاني‏:‏ عدم تقرر الملك قبل القبول، والقبول من رأيه لا من ماله، والوارث إنما ينتقل إليه مال أو متعلق بالمال، وهو الجواب عن الثالث، وعن الرابع‏:‏ أن التجدد مفسر بالانتقال على ما هو عليه من جميع الجهات، بخلاف البيع للأجنبي‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ يمتنع إعطاء أجنبي مالًا للشفيع على أن يقوم بالشفعة ويربحه ذلك المال، ولا يجوز بيع الشقص قبل الأخذ ‏(‏لنهيه عليه السلام عن بيع ما لم يملك‏)‏ ولا يأخذ لغيره لأن إضرار المشتري إنما جاز لنفي ضرر الشركة عنه، وفي النكت‏:‏ قال أشهب‏:‏ إذا ترك أرباح الأجنبي رد المشتري للمأخوذ منه، ثم الشفيع على شفعته إن ثبت ذلك بالبينة، إما بإقرار الشفيع فيتهم في فسخ الأخذ، وبإقرار المشتري من الشفيع فيتهم على الندم في الشراء وقال ابن شبلون‏:‏ إن أخذ الشفيع لغيره وهي أرض فبنى فيها المأخوذ له وغرس ولم يعلم المشتري ثم علم؛ فإن كانت قيمة الأرض أكثر من الثمن الذي أخذها به الرجل أخذ المشتري منه تمام القيمة وإلا مضت بالثمن ولا يرجع بشيء لأن له شبهة في الأخذ، وله أن يبيع بعد الأخذ إجماعًا، قال أبو محمد‏:‏ يرجع الشقص للمشتري فيه فضل أم لا والبناء كبناء المستحق منه في بناء شبهة، ‏(‏لأن الزرع يطول أمره، والثمرة تتأخر مع المشتري‏)‏‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا حبس أحدهما ثم باع الآخر فلا أخذ للمحبس عليه ولا للمحبس إلا أن يأخذه المحبس فيجعله في مثل ما جعل فيه نصيبه، وللشافعية في أخذ صاحب الوقف وجهان، قال اللخمي‏:‏ قيل ليس للمحبس شفعة وإن أراد جعله في مثل الأول، قال‏:‏ وهو أقيس لأنه ليس له أصل يستشفع به، ولو كان الحبس على معينين جرى على القولين، فعلى قول مالك‏:‏ لا يرجع بعد انقراض المعينين إلى المحبس‏.‏ فالجواب كما تقدم، وعلى القول برجوعه ملكًا يشفع، وإن لم يلحقه بالمحبس، قال صاحب النوادر‏:‏ قال مطرف‏:‏ إن كان مرجع الحبس للمحبس عليه إلحاقه بالحبس، وقال أصبغ‏:‏ إن حبس على المساكين أو في سبيل الله فله الأخذ إن جعله فيما جعل فيه، وإلا فلا شفعة إن أخذه ليمسكه‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب الخصال‏:‏ أربعة لا شفعة لهم‏:‏ إذا باع أحد المتعاوضين حصته من دار من شركتهما، أو الوصي من دار مشتركة بينه وبين اليتيم، أو الأب لابن له صغير من شركة بينهما، وإذا وكل الرجل على بيع حصته في دار هو شفيعها، وقيل له الشفعة‏.‏

نظائر، قال أبو عمران‏:‏ إن خمس مسائل تترتب على الميراث‏:‏ من باع لا يشفع في عين ما باع إلا بالميراث بأن يرث الشفيع، فينتقل إليه الحق، فيأخذ، لأنه قد يرضى بالبيع للمشتري ولا يرضى شركته، ولا ترجع الهبة إلا بالميراث، ومن حلف بعتق عبده‏:‏ ليفعلن كذا، فباعه؛ فإن اليمين ترجع عليه إذا ملكه ويكمل عتق القريب يملك بعضه إلا بالميراث، ولا ينقض بيع نفسه إلا بالميراث فيحل بيع نفسه بنفسه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لأم الولد والمكاتب الشفعة، وكذلك المأذون؛ فإن لم يكن مأذونًا فذلك لسيده، وإن أسلمها المأذون فلا قيام لسيده، وإن أرادها المأذون وسلمها السيد وليس العبد مديانًا جاز تسليم السيد، ‏(‏وإن كان مديانًا وله فيه فضل فلا تسليم، ويقدم تسليم المكاتب على أخذ السيد لاستقلاله بتصرف ماله، ولذات الزوج تسليم شفعتها لأنه من باب الشراء لا من باب التبرع، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إن سبق المأذون بالأخذ أو التسليم قبل علم السيد لزمه، ولا مقال للسيد بعد ذلك لاستقلاله بالتصرف، وإن سبق السيد لا مقال للمأذون لأن تصرف السيد كالحجر عليه إلا أن يكون على المأذون دين فلا يلزم تسليم السيد، وإن غبن المأذون في الأخذ غبنا شديدًا، أو في التسليم وعلم أن فيه محاباة بينة فليس له ذلك، قال‏:‏ وأم الولد وكل من للسيد انتزاع ماله مثل المأذون من سبق منهم أو من السيد للتسليم أو الأخذ نفذ رضي الآخر أو كره، وأما المكاتب فله نقض تسليم سيده وأخذه لإحرازه ماله، قال أشهب‏:‏ إلا أن يتبين من أخذ المكاتب أو تركه محاباة بينة، فللسيد نقضه، قال محمد‏:‏ والمكاتب والمعتق بعضه وأم الولد والمدبر والمعتق إلى أجل والعبد إذا لم يكن لواحد منهم مال يأخذ به وطلبوا الأخذ ليس للسيد الأخذ لنفسه لوجوبها لغيره، فإما أن يأخذ للمالك أو يترك فيأخذ بسلف أو هبة لعبده ومدبره وأم ولده ومعتقه إلى سنين أحبوا أو كرهوا ولو كره المشتري، بخلاف المكاتب والمعتق بعضه لا بد من رضاهما لعجزه عن انتزاع مالهما، قال اللخمي‏:‏ العبد مثل الحر في الشفعة؛ فإن كان غير مأذون له‏:‏ فالمقال له ولسيده؛ فإن أخذ العبد أو ترك قبل نظر سيده فلا مقال لسيده، وإن سبق السيد للأخذ أو الترك مضى فعله ولا مقال للعبد ما لم يكن عليه دين؛ فإن أضر أخذه بالغرماء كان لهم وللعبد الرد، وليس كذلك إذا ترك لا مقال للغرماء كحالهم مع الحر، وللعبد الأخذ ليبرئ ذمته إلا أن يحجر السيد عليه التجر جملة، والمدبر إن وجبت له في صحة السيد فكالعبد، أو في مرضه؛ فإن اتفقا على شيء فما اتفقا عليه وإلا فما قاله السيد إن صح، وما قاله العبد إن مات السيد لكشف العاقبة عن استقلاله لنفسه؛ فإن امتنع المشتري من الصبر إلى صحة السيد أو موته‏:‏ أوقف الحاكم السيد والمدبر فيتفقان على أخذ أو ترك، وإلا أسقط الشفعة، إلا أن يرى أن أمره لا يطول، فيوقف ثلاثة أيام والمعتق إلى أجل إن كان غير مأذون له ولم يضرب أجلا، فالأمر لسيده، وإن ضرب أجلا وصار بموضع لا ينزع ماله فالأمر للعبد دونه، وإذا لم يأخذ المكاتب حتى عجز قبل تمام السنة‏:‏ فالأمر لسيده فيما بقي من السنة كالحر إذا مات قبل السنة لورثته بقية السنة، والمعتق بعضه إن كان مأذونا فما اختاره، أو غير مأذون فلا بد من الاجتماع؛ فإن اختلفا رد، قال صاحب النوادر‏:‏ إذا لم يأخذ العبد ولا المعتق بعضه ولا المكاتب ولا سلموا حتى عتقوا ولم يطل الزمان فلهم الأخذ إلا أن يستثني المعتق الشقص، قال في المجموعة‏:‏ فلا أرى ذلك له، ولو أراه أخذ لم أعبه لوجوبها له‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا باع بعض حصته لا يأخذ مع الشريك بالشفعة، لأن بيعه رغبة في البيع، وإنما الشفعة، للضرر وكذلك لو باع السلطان بعض نصيبه في دين وهو غائب ثم قدم لأن يده كيده، قال أبو محمد‏:‏ لو باع شقصه ثم باعه المشتري له الشفعة لأنه بيع ثان، فلعله يرضى بالمشتري الأول دون الثاني‏.‏

الركن الثاني‏:‏ المأخوذ، وفي الجواهر‏:‏ لا شفعة في غير الدور والأرضين والنخل والشجر وما يتصل بذلك من بناء أو ثمرة، ولا شفعة في دين ولا حيوان ولا سفن ولا بز ولا طعام ولا عرض ولا غيره انقسم أم لا، وقاله ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏ لما في الصحاح‏:‏ ‏(‏قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق فلا شفعة‏)‏ وهو يدل بالمفهوم على عدم الشفعة في المنقولات لتعذر الحدود والطرق فيها، ولقوله عليه السلام في مسلم‏:‏ ‏(‏الشفعة في كل شرك لم يقسم‏:‏ ربع أو حائط، لا يحل له أن يبيع حتى يؤذن شريكه‏)‏ الحديث، والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر فلا تشرع في المنقولات، قال ابن يونس‏:‏ عن مالك‏:‏ إلا أن يبيع الدين من عدوه أو نحوه فهو أحق لنفي الضرر، ولأن المكاتب أحق بما يباع من كتابته، وعنه عليه السلام‏:‏ ‏(‏الذي عليه الدين أحق بما بيع من مشتريه‏)‏ قال مالك‏:‏ هو أحق من غير قضاء عليه‏.‏

قال اللخمي‏:‏ اختلف في الشفعة في اثني عشر موضعًا‏:‏ فيما لا يجوز التراضي بقسمه كالنخلة الواحدة والشجرة وفحل النخل إذا بيع مفردًا وما، لا يحمل القسم إلا بضرر كالحمام والدار الصغيرة وفي الساحة والطريق والجدار وإن حمل القسم إذا بيع بعد قسم الأصول، وفي الأنقاض إذا بيعت بغير أرض، وفي الماجل والبئر والعين إذا لم يكن عليها جباة وقسمت أو بيعت مفردة، وفي الثمار إذا بيعت مع الأصول أو مفردة، والزرع إذا بيع مع الأصل في المساقاة، وفي رحا الماء ورحا الدواب بيعت بانفرادها أو مع الأرض، ويختلف على هذا في رقيق الحائط ودوابه إذا بيعت مع الأصل أو مفردة، والثامن المناقلة، والتاسع‏:‏ بيع منافع ما فيه شفعة وهو الكراء، والعاشر‏:‏ ما يوصي الميت ببيعه لغير معين، والحادي عشر‏:‏ الهبة والصدقة‏.‏ الثاني عشر‏:‏ شفعة من شريكه بغير البلد الذي فيه المبيع، فمنع مالك في النخلة الواحدة والشجرة، لأن الشفعة إنما شرعت لخوف قلة السهم في القسم أو تغير البنيان، وضيق الممر، وتضييق الواسع، وخراب العامر، ولو وجبت لضرر الشركة لوجبت في الجارية لدخول ضرر منع الوطء بالشركة، وأوجبها أشهب في النخلة والشجرة‏.‏

واختلف عن مالك في الدار التي لا تنقسم، وهذا إنما يحسن إذا كان للمشتري أن يدعو إلى بيع الجميع، أما على القول بأن من اشترى نصيبًا بانفراد ليس له أن يدعو إلى بيع الجميع لا يكون للآخر عليه شفعة، وكذلك إن كانت تلك الدار إن بيع ذلك النصيب بانفراده لا يزيد على بيع الجملة، فلا شفعة، إذ ليس له أن يدعو إلى بيع الجميع، وكذلك إذا كان بيع الجميع أتم وقال المشتري‏:‏ الآن أنا اسقط مقالي ولا أدعو إلى بيع الجميع، ومتى أردت البيع بعت نصيبي إلا أن يقال‏:‏ إن الشفعة لدفع الضرر المتوقع في طول امد الشركة وإنه لا يقدر على إصلاح ولا جذاذ ولا حرث إلا برضا صاحبه، وقال مالك‏:‏ في المدونة‏:‏ في الحمام الشفعة خلافًا لعبد الملك، وهو اختلاف من قوله في النخلة ولا فرق، وأما الجدار يكون بين الدارين‏:‏ فعند ابن القاسم‏:‏ فيه الشفعة، وعلى أصل أشهب‏:‏ لا شفعة لأنه منع من قسمته، وإن حمل القسم وأبقاه مرفقًا بينهما لخشبهما وأوتادهما، وكذلك قال في الماجل إذا اقتسما ما سواه وإن حمل القسم، وفي المناقلة ثلاثة أقوال‏:‏ فعن ابن القاسم‏:‏ إن باع نصف أرضه بأرض أخرى وزيادة دنانير فيه الشفعة‏.‏ وكان من قول مالك‏:‏ إن علم أنه أراد المناقلة والسكنى دون البيع فلا شفعة، لأنه لم يرض بالخروج من داره، وقال عبد الملك‏:‏ إنما قال مالك‏:‏ لا شفعة في دارين أو حائطين بين أشراك يناقل أحدهم بعض أشراكه حصته من هذه الدار بحصته من الدار الأخرى أو الحائط، فيجمع كل واحد منهم في شيء واحد، لأنه إنما أراد توسعة حظه وجمعه، وأما إن ناقل بنصيبه من دار أخرى لا نصيب له فيها ففيها الشفعة، عامل بذلك بعض أشراكه أو أجنبيا، وقد روي عن مالك‏:‏ أن في ذلك كله الشفعة، قال اللخمي‏:‏ عدمها إن أراد جمع نصيبه أحسن، لأن الأصل‏:‏ أن كل ذي ملك أحق بملكه، وإنما وردت السنة بتغليب أحد الضررين بأن يعاد للمشتري مثل دنانيره، وخصت الرباع بذلك، لأن ضررها أشد فإذا خرج من ربعه لدفع مضرة من ربع آخر فهو أحق بما رفع المضرة منه وبما خرج من ملكه لأجله، وكذلك إذا أخذ نصيبًا من دار لا شرك له فيها والأمر في الأول أبين، وعن مالك‏:‏ لا شفعة لمن لم يسكن، لأن الضرر الأعظم منعه من السكن، فعلى هذا لا يشفع في الحمام ولا الفندق ولا فيما يراد للغلة ولا يسكن، وإما النقض‏:‏ ففي المدونة‏:‏ إذا أذنت لهما في البناء في عرصتك، ثم باع أحدهما حصته‏:‏ لك أخذها بالقيمة دون ما بيعت به وإن كان أكثر من قيمتها، لأن لك أخذ النقض بالقيمة إلا أن تكون القيمة أكثر فتأخذ بما بيع به لأن البائع رضي بذلك؛ فإن لم تأخذ فالشريك أولى من المشتري، لأن هدم نصف كل بيت ضرر، قال اللخمي‏:‏ النقض قسمان، لرجل دار يبيع نقضها دون أرضها، أو الأرض لك والنقض لآخر وقد أعرتها لأجل وانقضى، واختلف في البيع في هذين السؤالين هل يصح أم لا‏.‏

فرع‏:‏

قال الأبهري‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا اكتريا أرضًا للزرع فأراد أحدهما كراء نصيبه‏:‏ فالآخر أحق به لنفي الضرر، لا لأنه شفعة؛ فإن الزرع لو كان بينهما فباع أحدهما لم يشفع الآخر، وكذلك لو وهبت لهما ثمرة شجرة عشرين سنة حبسا عليهما فأراد أحدهما بيع نصيبه بعد الطيب، فالآخر أولى، ولو أجر أحدهما نصيبه من الدار لم يكن للآخر شفعة لاختصاصهما بالأصول دون المنافع، وإنما وجبت فيما تقدم لأن الزرع يطول أمره والثمرة تتأخر مع المشتري، قال صاحب المقدمات‏:‏ فيما هو متشبث بالأصول كالثمرة والزرع والكراء ورقيق الحائط إذا بيعوا معه، والرحا إذا بيعت مع الأصل، والماء والنقض إذا بيع دون الأصل، فأوجبها مرة، ومرة جعل هذه كالعروض‏.‏

نظائر، قال أبو عمران‏:‏ أن الدور والأرضين تخالف الأموال في إحدى عشرة مسألة‏:‏ الشفعة، ولا يحكم على الغائب فيها، ولا يحلف مستحقها، وتؤخر إذا بيع مال المفلس الشهر والشهرين، وخيارها في البيع أكثر نحو الشهرين، وإذا بيعت يستثنى منها سكنى السنتين، واليومان في الحيوان، ولا ترد بالعيب اليسير، وترد غلتها من الغاصب، ولا تقسم في الغنائم، ولا يبيعهما الوصي ويبيع غيرها، ويجوز النقد في غائبها البعيد والتأجيل في خصومتها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا بنى قوم في دار حبس عليهم، ثم مات أحدهم فباع بعض ورثته نصيبه من البناء، شفع أخوته‏.‏ قال صاحب النكت‏:‏ معناه أن الميت الثاني أوصى بأن يملك ما بنى وأنه لم يرد الحبس، ولو لم يوص بذلك امتنع بيع الورثة له كما قاله في كتاب ‏(‏الحبس‏)‏ فلا يتناقض قوله، ويحتمل أن يكون الحبس عليهم للسكن خاصة كالتعمير، لا حبس، وقيل‏:‏ معناه‏:‏ بنى شيئًا منفردًا بنفسه، ومن بنى كذلك فهو على ملكه حتى يصرح بالحبس، والذي في كتاب الحبس معناه‏:‏ بني مختلطًا بالحبس‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ بنى في عرصتك بأذنك، ثم أراد الخروج فلك إعطاء قيمة النقض مقلوعا كاستحقاق القلع شرعًا أو يأمره بالقلع؛ فإن كانا اثنين فباع أحدهما حصته فلك أخذها بالأقل من الثمن أو القيمة؛ فإن أبيت فللشريك الشفعة نفيًا لضرر القسم‏.‏ في التنبيهات‏:‏ إن بيع مبنيًا مع الأصل ففيه الشفعة اتفاقًا، وفي بيع حصته من النقض خلاف كان الأصل لهما أو لغيرهما قائمًا في البنيان أو نقضًا، وهما شريكان في الأصل، وقيل‏:‏ يأخذ صاحب العرصة بالثمن فقط، وقيل‏:‏ يأخذه مقلوعًا بالقيمة فقط، وقيل‏:‏ يأخذه من المبتاع، وقيل‏:‏ من البائع بالأقل من قيمته مقلوعًا أو الثمن، ويفسخ البيع فيه بينه وبين المبتاع، قال التونسي‏:‏ أجاز البيع مع أن المشتري يأخذ تارة النقض وتارة قيمته، ولهذا منع أشهب البيع كبيع بقية العبد المعتق بعضه، والمعتق موسر قبل التقويم؛ لأن المشتري لا يدري أيحصل له نصف العبد أو قيمة‏؟‏ وقد يفرق بينهما بأن العبد لا بد من تقويمه مع يسر المعتق والنقض قد لا يرضي رب العرصة بأخذه فهو كبيع الشقص الذي له شفيع؛ فإنه متردد بين المبيع وثمنه، قال‏:‏ وكيف جعل له الأخذ مع عدم شركته في النقض مع أنه قد قالوا‏:‏ لو باع نقض دار على أن يقلعه فاستحقت العرصة فأراد المستحق أخذ النقض يأخذه من المشتري بالقيمة منقوضًا لا بالثمن، لأنه لا شركة في النقض، فالأشبه أن لا يأخذ بالثمن، ولعل المسامحة في هذا بسبب أن ثم من يأخذ بالشفعة وهو الشريك في النقض، وهذا مقدم عليه فحل محله، ولهذه العلة لو لم يكن معه شريك لم يشفع صاحب الأرض، قال اللخمي‏:‏ تارة يكون النقض لرجل والأرض لآخر، وتارة تكون دار لرجل فيبيع نقضها دون أرضها، فاختلف في بيع النقض في الصورتين، ويشبه ذلك بيع شقص فيه شفعة، وشقص عند معتق بعضه، والمعتق موسر، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا شفعة في البناء والغرس إذا بيع وحده، لأنهما يصيران من باب المنقولات كالعروض، والفرق‏:‏ أن هذه تبع لما فيه الشفعة فأعطيت حكم متبوعاتها بخلاف العروض‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ بينهما أرض ونخل لها عين فاقتسمتما الأرض والنخل، ثم باع أحدكما نصيبه من العين، فلا شفعة، وكذلك البئر، لما جاء ‏(‏لا شفعة في بئر‏)‏ وإن لم يقتسموا وباع أحدهم حصته من العين أو البئر خاصة، أو باع حصته من العين والأرض معا ففيه الشفعة تبعا، ويقسم شرب العين بالقلد، وإن كان بينهما أرض ونخل فاقتسما الأرض خاصة فلا شفعة لأحدهما فيما باع الآخر من النخل لأن القسم يمنع الشفعة، وإن اشتريت نخلة في جنان رجل فلا شفعة لرب البستان، لأنه ليس شأنها القسم‏.‏

فائدة‏:‏ في التنبيهات‏:‏ القلد بكسر القاف وسكون اللام‏:‏ القدر الذي يقسم بها الماء، قاله الأكثرون، وقال ابن دريد‏:‏ هو الحظ من الماء يقال‏:‏ سقينا أرضنا قلدنا أي حظنا، وقال ابن قتيبة‏:‏ هو سقي الزرع وقت حاجته، وقد تقدم بسطه في كتاب القسمة‏.‏

وفي النكت قال بعض الشيوخ‏:‏ إنما يصلح قسم النخل دون الأرض إذا اقتسماه على التراضي مع مواضعها من الأرض ويترك ما بين النخل شائعًا وإلا فلا؛ لأن إفراد النخل بالقسم لا يصح في مذهبه، قال ابن يونس‏:‏ في العتبية عن مالك‏:‏ الشفعة في الماء الذي يقتسمه الورثة بينهم بالأقلاد وإن لم يكونوا شركاء في الأرض والحوائط، وأهل كل قلد يتشافعون بينهم دون أشراكهم نظرًا للقسمة، وقوله‏:‏

اقتسما النخل دون الأرض، يريد اقتسماه على القلع ويمتنع على البقاء إلا أن يقسم بالأرض، إذ لو قسمت الأرض والنخل كل واحد وحده صار لكل واحد نخلة في أرض صاحبه، وقاله ابن القاسم‏:‏ قال محمد‏:‏ لو قسمت النخل وحدها بلا أرض بشرط فسخ ذلك، ولو كان بينهما نخلة فباع أحدهما نصيبه فلا شفعة، قاله في الكتاب لأنها لا تقبل القسم، ولو بيعت بثمرها؛ لأن الثمرة تبع، وقال عبد الملك‏:‏ فيها الشفعة، لأن جنسها فيه الشفعة، قال اللخمي‏:‏ إن باع أحدهما نصيبه من الحائط والماء صفقة فالشفعة فيهما فهي في الماء تبع لأنه من مصلحته، أو صفقتين وتقدم الماء فله الشفعة فيهما أو في أحدهما، أو تقدم الحائط وبيع الماء من غير مشتري الحائط، شفع الحائط دون الماء لانفراده؛ فإن باعه من مشتري الحائط أو استحلقه به، قبل أخذ الأصل أو تركه، قال محمد‏:‏ كبيعهما معًا فلا يأخذ أحدهما دون الآخر ويتخرج أخذه الأول دون الثاني لأنهما عقدان، كقولهم‏:‏ إذا اشترى الأصول، ثم الثمار أو العبد، ثم ماله أو الأرض، ثم النخل‏:‏ فالقياس أن يشفعهما؛ لأن المشتري قصد إلحاق ذلك بالعقد، أو يشفع الأول وحده؛ لأن ذلك كان من حقه قبل شراء الماء، فشراء الماء لا يسقط حقه، وإذا تقدم بيع الماء خير في أخذ أحدهما منفردًا لأنه بيع في حيز الشركة وفي أخذهما لأنه كالصفقة الواحدة، وفي أخذ الحائط وحده لاستقلاله بالعقد لأنه يستحق الماء بالحائط، ولا يستحق الحائط بالماء، كما لا يستحق العبد بماله، ولو بيع الحائط وحده ولم يوقف الشفيع فيترك، ثم استلحق الماء كان للشفيع أخذ الجميع، لأنه تعذر بعدم الماء أولًا وهما يعملان على ذلك، وإذا كان لأحدهما ربع الحائط وثلاثة أرباع الماء فباع الأول حصته من الحائط والماء، فللآخر ربع الحائط وما يستحق من الشرب لأجل الثلاثة الأرباع، لأن ثلاثة أرباع الحائط إذا سقاها صاحبها ربع الماء لم يجب على الآخر أن يسقي إلا من هذه النسبة فيكون ماء الذي له ثلاثة أرباع الحائط ثلاثة أجزاء، ومن الآخر جزء، وإذا باع صاحب ثلاثة أرباع الحائط شفع الآخر الجميع، لأن جميعه شرب الجميع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا باع نصيبه من ثمر الشجر المزهي قبل قسم الأصل بينهم في مساقاة أو حبس‏:‏ استحسن مالك فيه الشفعة ما لم ييبس قبل قيام الشفيع، أو يباع يابسًا فلا شفعة، وكذلك الزرع، قال مالك‏:‏ ولم يقله أحد قبلي استحسانًا وقياسًا على العرايا التي جوزت من أجل الرفق وقطع واطئة الرجل، فالشفعة في الثمار كذلك، قال ابن القصار‏:‏ هذه إحدى الروايتين عن مالك، وقاله ‏(‏ح‏)‏ خلافًا ل ‏(‏ش‏)‏، لنا‏:‏ قوله عليه السلام ‏(‏الشفعة في كل شرك‏)‏، وهو عام، وقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الشريك شفيع‏)‏ وهو عام، ولأن الشفعة في أصولها فتكون فيها كأغصانها وورقها‏.‏ احتج بأن الثمرة لا تدخل في البيع إلا بشرط فهي مباينة لها فلا يشفع فيها كالطعام الموضوع في الدار، ولأنها لا تراد للبقاء والتأبيد، والشفعة إنما هي فيما هو كذلك‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ الفرق لاتصالها بما فيه الشفعة‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ أنها تبقى لأنها تؤخذ شيئًا فشيئًا فيطول الضرر، قال صاحب المقدمات‏:‏ ولا فرق في وجوب الشفعة فيها عند ابن القاسم، بيعت دون الأصل بعد زهوها أو معها، بعد الزهو أو قبله، بعد الإبار، أما قبل الإبار فلا شفعة، إذ لا حصة لها من الثمن، وإنما يأخذها على رأي ابن القاسم ما لم تجد أو تيبس إذا بيعت قبل الإبار من جهة الاستحقاق لا بالشفعة، قال صاحب النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ فإن أجيحت رجع على من استشفع عنه، قال عيسى‏:‏ ويرجع المشتري على بائعه، وعن مالك‏:‏ في ثمرة العنب الشفعة، قال ابن القاسم‏:‏ والمقاثي عندي كالأصول فيها الشفعة، لأنها ثمرة بخلاف البقول، قال أشهب‏:‏ الشفعة في الثمرة كان الأصل لهما أم لا، ولهما الثمرة فقط وكذلك، لو كان الأصل لواحد فباع الثمرة أو نصفها من رجلين فالشفعة بينهما دون رب الأرض، وقال‏:‏ لو لم يقسما شيئًا فباع نصيبه من الأصل دون الثمرة، أو العين، ثم باع نصيبه من الثمرة أو العين، فلا شفعة، كان الشفيع أخذ الأصل بالشفعة أم لا، وقال ابن القاسم‏:‏‏:‏ يشفع في الثمرة دون العين والبئر ولا لمشتري حصته إن لم تؤخذ منه الأرض بالشفعة، قال مالك‏:‏ إذا أجره بثمرة نخلتين على إبار حائطه فباع الأجير ثمرتها فلا شفعة وهي إجارة فاسدة، وله أجر مثله‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا شفعة في رحا الماء، وليس من البناء بل هي حجر ملقى؛ فإن بيعت مع الأرض أو البيت الذي تنصب فيه ففيه الشفعة دون الرحا بحصة ذلك أجراها الماء أو الدواب، وفي الحمام الشفعة، لأنها بناء، ولا شفعة في بئر لا بياض لها ولا نخل وإن سقي بها زرع أو نخل وكذلك النهر والعين، ولو أن لها أرضًا أو نخلا لم يقسم فباع حصته من النهر أو العين خاصة ففيه الشفعة بخلاف بيعه لمشاع البئر بعد قسم الأصل أو الأرض لانتفاء التبعية‏.‏

في التنبيهات‏:‏ يعني بالرحا‏:‏ المبنية وموضعها من الأرض، لأنه تبع لا شفعة فيهما، قال أبو اسحاق‏:‏ سواء العليا أو السفلى، وقوله‏:‏ يشفع في بيتها دونها إذا بيعت معه، قيل‏:‏ معناه في العليا لأنها في معنى الحجر الملقى، وأما السفلى فداخله في البنيان ومن جملة الأرض المشفوع فيها، قال‏:‏ وظاهر قوله خلاف هذا وعدم الفرق بين العليا والسفلى عند من شفع وعند من لا يشفع لأن أشهب الذي يرى فيها الشفعة يقول هي كباب الدار ورقيق الحائط يحكم له بالاتصال وهو منفصل، وقال أشهب‏:‏ الشفعة في الجميع كباب الدار وآلة الحائط بيعت مفردة أو مع الحائط إلا أن ينصبوها في غير أرضهم فلا شفعة، وهي التي تجعل وسط الماء على غير أرض، وأما ما ردم حتى يتصل بالأرض‏:‏ ففيه الشفعة، لأنه في حكم الأرض، وعن مالك‏:‏ الشفعة في الرحا إذا بيعت من أصلها، وفي كل ما هو فيها مبني؛ فإن بيعت الحجارة وحدها فلا شفعة، وعنه أيضًا‏:‏ يشفع في البيت وموضع الرحا دون الحجارة، وإذا بيعت الدار وفيها مطاحين إن كانت غير مبنية اتفق الشيوخ أنها للبائع، أو مبنية‏:‏ فالسفلى للمشتري وفي العليا خلاف، وهو يبطل قول من جعلها كعرض ملقى، قال بعض الشيوخ‏:‏ الخلاف فيها مبني على الخلاف في شفعة ما لا ينقسم إلا بفساد كالحمام والآبار، وكذلك يختلف إذا بيع حجرها وهو مبني، وكذلك الخلاف في رقيق الحائط ‏(‏إذا بيع مفردًا، وقيل‏:‏ لا خلاف فيه وإنما الخلاف إذا بيع الحائط‏)‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا شفعة في الطاحون إلا أن تكون أحجارًا تقبل القسمة، وكذلك الحمام إلا أن يمكن قسمتها حمامين، وأوجبها ‏(‏ح‏)‏‏.‏ وإن لم تقبل القسمة قياسًا على ما يقبل ‏(‏قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ رحا الماء والدواب سواء إذا نصبا معًا فيما يملكان، فإذا باع أحدهما نصيبه ففيه الشفعة، وللشفيع فسخ البيع إلا أن يدعو البائع للقسم؛ فإن قاسم وصار موضع الرحا للبائع جاز البيع أو لشريكه انتقض، والحمام أولى بالشفعة من الدار لما في قسمتها من الضرر، قاله مالك وأصحابه أجمعون، وعنه‏:‏ لا شفعة في الحمام لأنه لا يقسم، قال سحنون‏:‏ لا شفعة في الأندر قياسًا على الأفنية، وخالفه ابن وهب قياسًا على غيره من الأرض‏)‏ قال صاحب المقدمات في شفعة ما لا ينقسم كالنخلة والشجرة قولان، الثبوت لابن القاسم في أحد قوليه، ولأشهب، لأنهما من جنس ما ينقسم، والنفي لمطرف، وعلى هذا اختلاف المتأخرين في غلة الشفعة، فمن خصصها بما ينقسم علل بضرر الشركة لإمكان انفصالها بالقسمة، بل العلة ضرر القسمة لأنها قد تنقض القيمة، وقد تخرج إلى استحداث مرافق وأجرة القاسم، ومن لم يخصص علل بالشركة؛ فإنها توجب توقف الشريك في تصرفه على إذن الشريك، ولا ينتقض بالعروض لعدم تشاح الناس في بيعها فينعدم الضرر بخلاف العقار، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ الشفعة فيما لا ينقسم من العقار كالحمام، خلافا ل ‏(‏ش‏)‏، لنا‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الشريك شفيع‏)‏، وقوله عليه السلام ‏(‏الشفعة في كل شرك‏)‏، وقوله عليه السلام ‏(‏الجار أحق بصقبه‏)‏، وقياسا لضرر الشرك على ضرر القسمة، ولأن الشفعة لما تعلقت بالعقار استوى فيه ما ينقسم وما لا ينقسم، كما أنها لما لم تتعلق بغيره استوى ما ينقسم وما لا ينقسم ولأن الشفعة في العرصة قبل البناء فتجب بعده عملا بالاستصحاب‏.‏ احتج بقوله عليه السلام ‏(‏الشفعة فيما لم يقسم‏)‏ وذلك فرع إمكان القسمة، وبقوله عليه السلام ‏(‏لا يحل مال امريء مسلم إلا عن طيب نفسه‏)‏والمشتري لم تطب نفسه، وبقول عثمان - رضي الله عنه‏:‏ ‏(‏لا شفعة في نهر ولا نخل‏)‏ ولا مخالف له فكان إجماعا، وقياسا على النخلة الواحدة، ولأن الشفعة إنما وجبت حيث يرتفع الضرر عن البائع وهاهنا لا يقدر على أخذ الثمن من الشريك كما يريد، ولا من الأجنبي لعلمه بأنه يؤخذ بالشفعة ولا يتمكن من القسمة، بخلاف ما ينقسم يتمكن من القسمة، ولأن الشفعة وجبت لضرر القسمة، وهذا لا ينقسم فلا شفعة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن هذا لم يقسم فتجب فيه الشفعة، وهذا - عندنا - يقسم بالتراضي، إنما الذي لا يقسم كالجريدة والنخلة التي تؤدي إلى إفساد، ولو تراضيا كانا شفيعين‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ أن عدة من الصحابة - رضي الله عنهم - خالفه‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ أن الشقص مال للشفيع، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الشفعة فيما لم يقسم‏)‏‏.‏

والجواب عن الرابع‏:‏ الفرق أن النخلة لا تنقسم بالتراضي بخلاف الحمام‏.‏

والجواب عن الخامس‏:‏ أنه قائم فيما إذا كان ينقسم بمدافعة الشريك في القسمة فيضطره للبيع بالبخس أو كان الحاكم يرى الشفعة للجار‏.‏

والجواب عن السادس‏:‏ أن سبب الشفعة ضرر الشركة وهو موجود‏.‏ ونقول‏:‏ الحكم معلل بعلتين فأيتهما وجدت ترتب الحكم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا ابتاع نخلا ليقلعها، ثم ابتاع الأرض فأقر النخل ثم استحق نصف جميع ذلك كله أخذ نصف النخل والأرض بالشفعة بنصف ثمنها لا بالقيمة، لأنها كالصفقة الواحدة؛ فإن لم يشفع خير المبتاع بين التمسك بالباقي لتفريق الصفقة بالاستحقاق، وكذلك لو اشترى عرصة فيها بنيان على أن النقض لرب الدار، ثم اشترى النقض، أو اشتراه أولا ثم العرصة، فالشفعة في العرصة والنقض، العرصة بالثمن والنقض بقيمته قائما لكشف الغيب خلاف ما دخل عليه أولا، ويمتنع شراء بعض شقص شائع أو حصة من نخل على القلع إذا كان شريك البائع غائبا لعجزهما عن القلع إلا بعد القسم، ويمتنع أن يقاسم البائع شريكه النخل ليقلعها إلا مع الأرض، ولو اشتريت نقض دار قائمة على القلع، ثم استحق نصف الدار فلك رد بقية النقض لتفريق الصفقة، ولا شفعة للمستحق لأنه بيع على القلع ولم تبع أنت ولو استحق جميع الأرض دون النقض أو كانت نخلا بيعت للقلع فاستحقت الأرض دون النخل صح البيع في النقض والنخل وللمستحق أخذ ذلك من المبتاع بقيمته مقلوعا لا بالثمن لا بالشفعة ولكن للضرر؛ فإن لم يأخذ أضر المبتاع بقلعه، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ ابتاع نخلا ليقلعها - إلى قوله أخذها بنصف الثمن، أمر سحنون بطرحها، واختلف في تأويل قوله‏:‏ نصف الثمن‏:‏ فقيل‏:‏ نصف ثمن النخل، ونصف ثمن الأرض، وهو في الموازية‏.‏

وقال أشهب‏:‏ الشفعة في الأرض دون البناء والنخل، وقال سحنون‏:‏ يخير المستحق أولا؛ فإن أجاز بيع نصيبه ودفع الثمن لم يكن للمشتري كلام، وإن أخذ ما استحق رجع المبتاع على البائع بنصف الثمن، وينظر إلى النخل؛ فإن تفاضل جنسها وقدرها فسخ البيع في نصف البائع، لأنه لما باع على القلع صار الثمن مجهولا لا يعرف ماذا يقع له في القسم، لأن الأرض تقسم مع النخل فيقع في نصيب كثير من النخل مع قليل من الأرض؛ فإن لم تختلف الأرض ولا النخل حتى تنقسم على الاعتدال صح البيع في نصف البائع، ويبدأ بالمشتري في رد ما بيده أو حبسه في قول أشهب؛ فإن حبس شفع في الأرض والنخل بنصف الثمن، وقال ابن القاسم‏:‏‏:‏ يبدأ بالشفيع، وقل أن توجد أرض ونباتها متفق، قال صاحب النكت‏:‏ إنما أخذ النقض بقيمته لأن مشتريه اشتراه على القطع لا على البقاء، والأرض قد خرجت عنه بالاستحقاق فلا سبيل إلى بقاء النقض، أما إذا تقدم شراء الأرض فما اشترى النقض إلا ليبقيه، فإذا استحق العرصة أخذ النقض بالقيمة قائمًا كما لو أحدث المشتري هذا البناء لأنه زاد في ثمنه لأجل بقائه، ولو استحق نصف العرصة ‏(‏خاصة وقد اشترى النقص أولا للقلع ثم العرصة‏:‏ فإما يأخذ المستحق ما قابل ما استحق من الأنقاض بقيمته مقلوعًا، كما إذا استحقت العرصة‏)‏ كلها يأخذ النقض بقيمته مقلوعًا، والنصف الآخر الذي لم يستحق يأخذه بالثمن، لأنه أخذ شفعته، لأنه جعل شريكًا في الجملة بهذا المستحق، قال التونسي‏:‏ إذا اشترى أرضا بعبد فاستحق نصف الرض يبدأ بالشفيع عند ابن القاسم إن أخذ النصف الباقي بالشفعة رجع بائع العبد بنصف قيمة العبد لضرر الشركة، وكان مشتري العبد فوت نصفه لما أخذ من يديه نصف العبد لو لم يرد نصف المقابل للاستحقاق، وأضر بالشركة وغرم ‏(‏نصف العبد مع أنه مجبور على أخذ نصف الأرض من يديه، وعن مالك‏:‏ إذا اشترى النقض‏)‏ ثم الأرض أو بالعكس يأخذ النقض بقيمته قائمًا لا بالثمن كما في المدونة ولأشهب‏:‏ لا شفعة في النخل ولا في النقض، وفرق محمد‏:‏ إن تقدم النقض فالشفعة في ذلك، أو تقدم الأرض لا شفعة في النقض وبالثمن اصح، لأنها كالصفقة الواحدة لما لحق بعضها بعضًا، ولأن النقض إذا كان تقدم بأخذه بالقيمة يوجب الزيادة للمشتري، وإن تقدم الأرض زاد في ثمن النقض، وقد لا تبلغ الزيادة قيمة النقض قائمًا؛ فإن أعطيناه القيمة قائمًا انتفع الآخذ أيضا، فالأعدل الثمن، وفي كتاب محمد‏:‏ إذا اشترى النخل على القلع، ثم الأرض فاستحق نصفها‏:‏ فالشفعة في الأرض خاصة، ويؤمر صاحب النخل بالقلع، قال‏:‏ وإن شاء أخذ نصف النخل بالشفعة ويترك نصف الأرض، فجعل الشفعة فيما لم يقدر على بقائه، بل يأخذه للقلع، قال‏:‏ وفيه نظر، وإنما شبهه بالنقض فيه الشفعة، ولا يملك بقاءه في قاعة من لا يسكنها إلا برضاه ويمتنع بيع نصف النخل على القلع دون الأرض المشتركة لتعذر قسمة النخل إلا بالأرض، فيصير المبيع مجهولًا إلا أن تستوي أجزاء الأرض وأفراد النخل، وكذلك لو اشترى بناء الدار، ثم ‏(‏اشترى الدار ثم‏)‏ استحق نصف الأرض والبناء، يفسخ بيع المشتري نصف الأرض لتعذر وصوله لما اشتراه، لأنه إن قاسم البائع ومكنه من نصف النقض فالنصف الذي هو للبائع قد صار يقل بجودة البناء أو يكثر بزيادة البناء، فيصير مجهولًا إذ لا يضم إلا مع غيره، ولو أمكن مساواة البناء للقاعة كما صح في الأرض‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ إذا اشترى النصف للقلع فاستحق نصف الأرض‏:‏ فلمشتري النقض بقيمته مقلوعًا أن يأمره بقلعه، وأنكرها سحنون، لأن البائع إن كان غصب الأرض فأعطى الغاصب قيمة النقض منقوضًا وانتقض شراء المشتري، وإن شاء سلمه للمشتري بنقضه، وإن كان البائع للنقض اشترى الأرض أعطاه قيمة النقض قائمًا وانتقض البيع في النقض، ولا يقول المشتري‏:‏ خذ هذه القيمة التي أخذها البائع مني كمن باع سلعة بمائة ثم باعها آخر بتسعين، ليس للأول أخذها بتسعين، وإن قال مستحق الأرض‏:‏ لا أعطيه قيمة البناء أعطاه بائع النقض قيمة أرضه، ويجوز بيعه في النقض قيمة أرضه؛ فإن امتنع كانا شريكين، وينتقض بيع المشتري فيما صار من نصف النقض لمستحق الأرض، ويجوز بيعه فيما صار لبائع النقض، لأنه صار كمشتري النقض مقلوعا ليشتري أكثر‏.‏

قال اللخمي‏:‏ في الثمار ثلاثة أقوال‏:‏ فيها الشفعة بيعت مع الأصل أو مفردة، كان الشفيع شريكا في الأصل أم لا، لمالك، ولا شفعة فيها مطلقا بيعت مع الأصل أو مفردة، لعبد الملك، وفيها إن بيعت مع الأصل وإلا فلا، لأشهب، مبنية على أنها محل ضرورة كالعرايا، أو هي منقولة كالعروض أو ينظر تبيعتها في العقد لما فيه الشفعة؛ فإن باع نصيبه من الثمرة، والحائط من أجنبي استشفع الشفيع فيهما؛ فإن سلم ثم باع أحد الشريكين نصيبه أو من الثمار مفردة ثم باع بعد ذلك أحد الشريكين في الثمرة نصيبه‏:‏ فالشفعة على قول ابن القاسم لشريكه في الثمرة لم يكن باع، وعلى قول أشهب لشريكه في الثمرة لأنه معه كأهل سهم؛ فإن سلم فلمن له الأصل، وإن باع من له الأصل نصيبه من الثمرة فالشفعة للذين اشتروا الثمرة، وإن باع نصيبه من الأصل والثمرة فالشفعة، ولا يقول‏:‏ مشتري الأصل يأخذ الجميع أو يترك الجميع، ولا يعض على الصفقة، لأن لا شركة لها في الأصل، وكذلك إن ساقى أحدهما نصيبه في الحائط فلشريكه الشفعة؛ فإن لم يأخذ ثم باع أخذ المساقي نصيبه بعد الطيب فللشريك الشفعة؛ فإن سلم فهي لصاحب الأصل؛ فإن باع صاحب الأصل فالشفعة للمساقاة، وقال محمد‏:‏ إذا ساقى أحدهما نصيبه لا شفعة للشريك، وعن مالك‏:‏ إذا ساقى حائطه للعامل الربع فباع رب الحائط نصيبه من الثمرة بعد طيبها‏:‏ للمساقي الشفعة، لأنه شريك وكل من له شريك شافعه، قال صاحب المقدمات‏:‏ لا خلاف في الشفعة في النقض إذا بيع مع الأصل، لأنه تبع له؛ فإن بيع ثم طرأ استحقاق يوجب الشركة، أو باع أحد الشريكين نصيبه منه دون الأصل، وهو متساوي الصفة، يجوز فيه البيع لوجوب قسمته مع الأصل، ففي الشفعة فيه قولان من المدونة، وكذلك النقض القائم والعرصة لغيرهما فباع أحدهما فالخلاف كذلك إن أبى صاحب العرصة أن يأخذه، لأنه مبدأ عليه لا لأنه شفيع، بل لنفي الضرر، واختلف هاهنا ممن يأخذ رب العرصة النقض وبما يأخذه‏؟‏ فقيل‏:‏ من المبتاع بقيمته مقلوعا، وقيل‏:‏ بالثمن، وقيل‏:‏ بالأقل منهما، وقيل‏:‏ بالقيمة من البائع مقلوعا، أو بالأقل منهما، ويفسخ البيع بينه وبين المبتاع فيرجع على البائع بالثمن الذي دفع إليه، وكل ذلك قد تأول على المدونة والأظهر منها‏:‏ الأخذ من البائع بالأقل منهما، والأظهر في القياس‏:‏ الأخذ من المبتاع بالقيمة مقلوعا، وهذا كله على القول بجواز بيع النقض قائما على القلع، وهو مذهب ابن القاسم في المدونة خلافا لأشهب وسحنون‏.‏

وفي شراء النقض على الهدم أو النخل على القلع وشفعتهما مسائل ستة‏:‏

المسألة الأولى‏:‏ شراء النخل على القلع ثم تستحق الأرض‏:‏ ففي الكتاب‏:‏ للمستحق أخذ النخل من المبتاع بقيمتها مقلوعة للضرر لا للشفعة، وعلى القول بمنع البيع‏:‏ يفسخ وترجع لبائعها، ولا يأخذها المستحق‏.‏

المسألة الثانية‏:‏ شراء النخل على القلع، ثم شراء الأرض فيستحقها رجل، رجع المبتاع على البائع بثمن الأرض المستحقة ثم الحكم بين مبتاع النخل والمستحق في النقض على ما تقدم‏.‏

المسألة الثالثة‏:‏ تشترى الأرض أولا ثم الأنقاض فتستحق الأرض، فللمستحق أخذ النقض بقيمته قائما عند ابن القاسم، لأنه زاد في ثمن النقض ليبقيه في أرضه، وينبغي على هذا إن امتنع من دفع القيمة قائمًا أن للمشتري إعطاء قيمة الأرض براحا؛ فإن أبى اشتركا، وينبغي على مذهب سحنون إن كان البائع غصب فللمستحق دفع قيمة النقض منقوضًا، وينتقض البيع بينه وبين المشتري فيرجع عليه بالثمن؛ فإن أبى مضى النقد للمشتري بشرائه، والمستحق للأرض على حقه؛ فإن لم يتفقا في ذلك على شيء بيعت الدار وقسم الثمن على قيمة النقض قائمًا وقيمة العرصة براحا ‏(‏وإن كان بائع النقض مشتريًا دفع المستحق قيمة النقض وانتقض البيع؛ فإن امتنع دفع له البائع قيمة العرصة براحا‏)‏، وإن لم يتفقا على ما يجوز بيعت الدار وقسم الثمن في القيم؛ فإن امتنعا من ذلك اشتركا وانتقض البيع فيما صار من النقض للمستحق، ومضى فيما صار منه للبائع‏.‏

المسألة الرابعة‏:‏ يشتري النخل أولا على القلع، ثم الأرض، فيستحق نصف الأرض والنخل‏.‏

المسألة الخامسة‏:‏ يشتري الأرض، ثم النخل، فيستحق نصف الأرض والنخل‏:‏ فثلاثة أقوال‏:‏ لا شفعة في النخل، قاله أشهب وابن القاسم في المدونة في أحد قوليه، وفيها الشفعة لابن القاسم في المدونة، والشفعة فيها إن اشتراها قبل الأرض، ولا شفعة إن تقدمت الأرض قاله محمد‏.‏ الثاني‏:‏ يأخذ المستحق نصف الأرض ونصف النخل شفعة بنصف الثمن، وله أخذ نصف الأرض، ويقلع المبتاع النخل في المسألة الرابعة، ويبقى على حقه فيها في المسألة الخامسة إذا لم يشترها على القلع، وله أخذ النخل وترك الأرض، وعلى الأول‏:‏ فاختلف هل يأخذها بالقيمة لنفي الضرر قولان، وإذا قلنا بأخذها‏:‏ فالقيمة قائمًا في المسألتين على ما في بعض روايات المدونة وعلى قياس قول عبد الحق الذي حكاه‏:‏ لا يأخذ إلا بالقيمة إلا في المسألة الخامسة‏.‏

المسألة السادسة‏:‏ يشتري النخل خاصة على القلع فيستحق نصف الأرض والنخل، انتقض البيع فيما بقي بيد المشتري من النخل، لأنه لا يقدر على ما اشتراه إلا بمقاسمة البائع لمستحق الأرض مع النخل، وإذا قاسمه قد يقل ما يحصل له بجودة الأرض فيصير المتمسك به مجهولًا، على أن ابن القاسم قال في المدونة‏:‏ إذا اشترى نقض دار على القلع، ثم استحق نصف الدار‏:‏ له رد ما بقي، وظاهر قوله‏:‏ أن له التمسك، وفيه نظر إلا أن يريد النقض والأرض المستويين‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ واختلف قول مالك في الشفعة في الزرع، ولا فرق عند من رأى فيه الشفعة أن يباع دون الأصل إذا حل بيعه أو مع الأصل بعد النبات أو قبل النبات، وقيل‏:‏ ما لم ينبت لا شفعة لعدم حصته من الثمن كالثمرة التي لم تؤبر، والخلاف في شفعته في المدونة لتعليله عدم الشفعة بامتناع بيعه حتى ييبس، فعلى هذا فيه الشفعة إذا بيع قبل اليبس على مذهب من يجيز ذلك من العلماء ومن يرى من أصحابنا العقد فوتًا أو إذا بيع الأصل‏.‏ وعلى هذا الخلاف يترتب طروء الشفيع على الأرض المبذورة قبل طلوع البذر أو بعد طلوعه؛ فإن طرأ قبل الطلوع‏:‏ فثلاثة أحوال‏:‏ إن كان المبتاع هو الباذر فيأخذها الشفيع ويبقى البذر لباذره على قول من يجري أخذ الشفعة مجرى الاستحقاق، وعلى قول من يجريه مجرى البيع يمتنع الاستشفاع إلا بعد طلوع البذر‏.‏ وقيل‏:‏ يأخذه بقيمة البذر والعمل، وقيل‏:‏ بقيمته على الرجاء والخوف كالسقي والعلاج في الثمرة، وإن كان الباذر البائع أخذها الشفيع مبذورة بجميع الثمن على القول في الزرع الشفعة، وعلى القول الآخر بما ينوبها من الثمن إذا أجري أخذ الشفعة مجرى الاستحقاق، وعلى قول من يجريه مجرى البيع لا يأخذ حتى يبرز الزرع، وإن كان غيرهما الباذر أخذ الأرض بالشفعة بجميع الثمن دون البذر؛ فإن طرأ بعد النبات فالثلاثة الأحوال غير أن الوجهين من الثلاثة أوجه ليستوي الحكم فيهما أن يبذر المبتاع أو الأجنبي في شفعة في الأرض دون الزرع بجميع الثمن على القول بالشفعة في الزرع، ويأخذ الأرض دون الزرع بما ينوبها من الثمن على القول بعدم الشفعة في الزرع، ‏(‏وإن طرأ الشفيع بعد يبس الزرع‏)‏ فلا شفعة، ويأخذ الأرض بجميع الثمن إذا كان البذر للمبتاع أو للأجنبي، وإن كان للبائع أخذ الأرض بما ينوبها من الثمن، وأما طروء المستحق‏:‏ فإن استحق الأرض والزرع مثل أن يزرع الرجل أرضه فيبيعها ‏(‏غيره فيخير بين إجازة البيع أو يأخذهما، وإن استحق الأرض فقط فثلاثة أحوال‏:‏ إن كان البذر للمستحق منه‏)‏ وهو غاصب فحكمه حكم الغاصب، وإن لم يكن غاصبًا فلا شيء للمستحق في الزرع، ولا له قلعه، وإنما له الكراء إن لم يفت الإبان، وإن بذر أجنبي بوجه شرعي فهو له، ويأخذ المستحق أرضه، وله على الزارع الكراء إن كان أكثر منه، وإن كان الغاصب هو الذي أكرى منه‏:‏ فله الكراء أيضا إن لم يفت الإبان، وإن فات الإبان جرى على الخلاف في غلة الأرض المغصوبة، وإن كان الباذر البائع فيأخذ المستحق أرضه، وينفسخ البيع في الزرع ويرجع المبتاع بجميع الثمن على البائع، وفي الموازية‏:‏ يبقى الزرع للمبتاع، وهو بعيد، فهذا القول في طروء كل واحد منفردًا‏.‏ وهو يغني عن القول في اجتماعهما‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النوادر‏:‏ إن اشترى الأرض أولًا، ثم النخل‏.‏ فلا شفعة إلا في الأرض، لأن النخل بيعت، ولا حق للبائع في الأرض، كما إذا باع نصيبه من النخل دون العين والبئر ورقيق الحائط، ثم باع نصيبه من ذلك فلا شفعة فيه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال في الموازية‏:‏ إن اشترى أرضا يزرعها الأرض فاستحق الأرض والزرع أخضر فالشفعة في الأرض دون الزرع، ويفض الثمن عليها، ثم قال‏:‏ فإن استحق نصفها شفع بل ليس له أن يأخذها إلا بزرعها؛ فإن كره المشتري بقية الصفقة لكثرة المستحق‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يبدأ بتخيير الشفيع؛ فإن لم يشفع خير المشتري في الرد، وبدأ أشهب للمشتري، وحجة ابن القاسم‏:‏ أنه ليس بيع خيار بل بتل وجبت فيه الشفعة، فهو كعيب يرضى به الشفيع فهو المبدأ، وأنكر سحنون قول أشهب في الزرع‏.‏ وقال بقول ابن القاسم أنه لا شفعة في الزرع، قال سحنون‏:‏ بخلاف رقيق الحائط والبئر وآلاته تباع من الحائط، لأن هذه صلاح للحائط، والبناء صلاح للدار، والزرع لا تقوم به الأرض‏.‏ وفي الموازية‏:‏ إن اشتراها قبل ظهور زرعها فهو كغير المأبور من الثمار يشفعها بالثمن والنفقة؛ فإن لم يقم حتى ظهر صار كمأبور الثمار يأخذها بثمرها، قاله ابن القاسم، وقال أشهب‏:‏ يأخذها دون الثمرة، لأن الشفعة بيع، ومأبور الثمار للبائع، ويأخذ النخل والأرض وحدها بجميع الثمن بعد وضع قيمة الطلع، وقيمة البذر على غرره‏.‏ ولو اشتراها بزرعها الأخضر والزرع بعدها فاستحق نصف الأرض فسخ عن المبتاع نصف ثمن الزرع والأرض، وبقي البائع شريكًا في الزرع، والمستحق شريكًا في الأرض؛ فإن شفع نصف الأرض انفسخ بقية الزرع وصار كله للبائع، وعلى البائع الكراء في النصف المستحق من الأرض، وقال سحنون‏:‏ تنفسخ الصفقة لجمعها حلالًا وحرامًا لبقاء نصف الزرع الأخضر بلا أرض‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا شفعة في جريد النخل وسعفها لأنه لا يصلح بيعه قبل إبان قطعه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا اشترى أصولا فيها ثمر مؤبر بغير ثمرها جاز شراؤه الثمر قبل طيبها، وكأنهما صفقة واحدة، وشفع فيها الشريك، وليس له أخذ أحدهما دون الآخر؛ فإن اشترى النصف من الأصول، ثم نصف الثمر بعد طيبها له إشفاع أحدهما، وكليهما؛ فإن اشتراهما بعد الطيب في صفقة واحدة فلا يأخذهما إلا جميعًا كقول ابن القاسم في الجائحة إذا اشتراهما بعد الطيب في صفقة لا جائحة فيهما، وإن اشترى الأصل ثم الثمرة‏:‏ ففيها الجائحة عنده، وإن اشتراها بعد طيبها بعد شراء الأصل أو معه فلا جائحة، قال أشهب‏:‏ لو باعا حائطهما وفيه ثمرة، ثم باع أحدهما نصيبه منها فلا شفعة لعدم شركتهما في الأرض، قال محمد‏:‏ ولو اشترى ثمرة قبل زهوها ثم اشترى الرقاب بعد طيب الثمرة فالشفعة في الأصول فقط، ويفسخ بيع الثمرة وترد، لأنها إنما فاتت بالطيب في نخل البائع، ولو جذها المبتاع يابسة أو رطبة ردها أو مثلها إن فاتت، أو قيمتها يوم الجذاذ إن جهلت المكيلة، ولو اشترى الأصول قبل طيب الثمرة فطيبها في الشجر فوت لأنها فاتت في نخل المبتاع، ويرد قيمتها يوم العقد في الأصول، ويومئذ تجب فيها الشفعة بالقيمة، وفي الأصول بالثمن، لأن الثمرة إنما وجبت بملكه الأصل فهي كصفقة واحدة وليس في المسألة الأولى شفعة لطيبها في يد البائع‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ المقاثي كالأصول فيها الشفعة، لأنها ثمرة بخلاف البقول

فرع‏:‏

قال‏:‏ قال مالك‏:‏ لا شفعة في الدين إلا لضرورة عداوة أو نحوها كالمكاتب، وعنه‏:‏ حسن أن تكون له مطلقًا، ولا يقضي به إذا بيع من الكتابة ما يعتق به المكاتب، فهو أحق به، وأما بيع الشريك نصيبه من الكتابة لا يشفع الآخر ولا المكاتب، لأنه لا يعتق به‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ واختلف في الشفعة في الكراء إذا انفرد عن بيع الأرض لا يتصور الخلاف في غير ذلك، كما أن الخلاف في رقيق الحائط إنما هو إذا بيع مع الأصل، أما وحده فلا شفعة اتفاقًا، قال صاحب النوادر‏:‏ الروايتان في الكراء رواهما ابن القاسم عن مالك، قال أشهب‏:‏ إن أحب الشريك سلم شفعته وقاسمه السكنى، وله طلب قسمة الدار؛ فإن وقع نصيب المكري على غيره هو خير المكتري في الفسخ، وذلك إذا دفع له أقل من النصف في الانتفاع لا في القيمة، وإلا فلا حجة له والذي أخذ به ابن القاسم أن في الكراء الشفعة والدور والمزارع سواء، وقال أشهب‏:‏ إذا أكرى أحد المكترين نصيبه فلصاحبه الشفعة، وعهدته على المكتري من صاحبه، ثم عهدتهما على رب الدار، ولو أكرى أحد المكترين نصيبه من رب الدار أو من مكتر منه، ثم أقاله من مصابته فلشريكه الشفعة على رب الدار المستقيل، قال محمد‏:‏ بل تؤخذ من المكتري الذي أقال كالإقالة في الشراء وإذا أكريا - يعني الشريكين - دارهما أو ساقيا نخلهما من رجلين فأكرى أحدهما نصيبه أو كلاهما الأرض والدار، أو ساقى أحدهما النخل من غيرهما فليس لصاحبي الأصل شفعة في كراء ولا سقاء، ولا لأحدهما كان شائعًا أو مقسومًا، ولو أن أحد المكترين أو المساقيين ساقى أو أكرى فلشريكه الشفعة، وليس صاحب الأصل أحق من الشريك في الكراء؛ فإن سلم فلصاحب الأصل شفعة المساقاة لشركتهما في الثمن، ولا شركة لهما في الكراء، ولو ساقى أحد الشريكين حصته شفع الآخر عند ابن القاسم دون أشهب، ولو أكريت نصف دارك مشاعًا، ثم أكرى المكتري غيره أو ساقى في النخل فلك الشفعة، ولو أكرى شيئًا بعينه أو ساقى فلا شفعة لك، ولو ساقيت نصف نخلك من رجلين فساقى أحدهما رجلا فشريكه أولى، كأهل سهام الميراث؛ فإن سلم فلك كما لو بعتها فباع أحدهما فشريكه المبتاع معه أولى منه؛ فإن سلم فلك الشفعة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ والماء فيه الشفعة اتفاقًا إذا بيع شقص منه مع الأصل أو دونه، ولم يقسم الأرض، واختلف إذا قسمت‏:‏ ففي المدونة‏:‏ لا شفعة فيه، وعن ابن القاسم‏:‏ فيه الشفعة، فقال سحنون‏:‏ ليس باختلاف، بل محمل المدونة على أنها بئر ‏(‏واحدة لا شفعة فيها، ويريد ابن القاسم آبارًا لأنها تقسم، وقال ابن لبابه‏:‏ بل معنى‏)‏ المدونة‏:‏ بئر لا فناء لها ولا أرض، ومعنى قول ابن القاسم‏:‏ لها فناء وأرض مشتركة فيها قلد وقيل‏:‏ اختلاف قول على الاختلاف فيما لا ينقسم‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ واختلف في الشركة التي يوجبها الحكم هل تجب الشفعة‏؟‏ قيل‏:‏ تجب لها قبل تقرر حكمها؛ فعن مالك لا شفعة، وقال أشهب‏:‏ فيها الشفعة، فسئل مالك‏:‏ إذا أعطي في خيف من واد خمسين ومائة قفيز، بين كل قفيزين عشرة أذرع، ثم أكرى بعض أهل ذلك الخيف، فهل للمعطى شفعة فيما باعوا‏؟‏ فقال‏:‏ لا، فقيل‏:‏ إنهم لم يجوزوه للمعطى ولم يقسموه ولم يسموه في أي جهة هو من الحائط أعلاه أو أسفله، فقال‏:‏ لا شفعة إذا قسموا له أذرعًا مسماة، وقال أشهب‏:‏ هذا شريك بأذرعه كالشريك بنخلات، وقد نزلت هذه المسألة للفقيه أبي القاسم أصبغ بن محمد في قرية توفي صاحبها فابتاع من بعض ورثته نصيبه، وقد باع موروثهم قبل موته مبذر زوجين مشاعًا فطلبه بالشفعة فأفتى بعدم الشفعة وهو النظر والقياس، وأفتى القاضي بالبلد بالشفعة، ولما بينا له الوجه رجع وأفتى بفساد البيع في الزوجين على الوجه المذكور للجهل بمبلغ أرض القرية، وهو غير صحيح، لأن المشترى لا يزيد بزيادة القرية ‏(‏ولا ينقص بنقصها، بل يكفي العلم بكريم الأرض وخسيسها، ولم تكن له شفعة، لأن الشفيع هو الشريك يشارك فيما يطرأ على الأرض من ضمان هلاك أو غصب أو استحقاق، ومشتري مبذر الزوجين ليس شريكًا في القرية بل هو كمبتاع ثوب من ثياب ولم يعينه، ولا اشترط الخيار، وإن كان عند التشاح تكسر جميع أرض القرية فيأخذ مبذر الزوجين حيث ما وقع بالقرية، ولو غصب منها شيء أو وهب أخذ المبتاع المبيع مما بقي ويشارك البائع بقدر ذلك إلا أن يأتي أحدهما ويريد رد البيع؛ لأن المبتاع يقول‏:‏ المستحق أفضل فلا أرضى آخذ من الباقي، ويقول البائع‏:‏ الباقي أفضل فلا أرضى آخذك منه‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا بقيت بعد القسم فباع أحدهم نصيبه من البيوت والعرصة فلا شفعة في العرصة بها ولا فيها لأنها بقيت لانتفاع عام لا للشركة، وقال ‏(‏ش‏)‏ رحمه الله‏:‏ الشفعة في العقار وما يتصل به من بناء أو غرس دون المنقولات، لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا شفعة إلا في ربع أو حائط‏)‏، قال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ وإذا بيع الغرس أو البناء مع الأصل، أو ناعورة، أو دولاب أخذ الجميع، لأنه بيع، وإن بيع الغرس والبناء وحده فلا شفعة فيه، لأنه منقول، واختلف قوله في النخل إذا بيعت مع قرارها دون ما يتخللها من البياض قياسًا على بيعها مع البياض، أو قياسًا على بيعها وحدها، وقال‏:‏ وإذا بيع الزرع مع الأرض أو الثمرة الظاهرة على الشجر لا تشفع مع الأصل، بل الأرض والشجر بحصتهما، وأثبتها ‏(‏ح‏)‏ لاتصالها بالمشفوع كما قلناه، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا شفعة في المنقولات إلا في البناء والنخل إذا بيعت دون العرصة‏.‏

الركن الثالث‏:‏ المأخوذ منه، وفي الجواهر‏:‏ المأخوذ منه كل من تجدد ملكه اللازم باختياره، وفي اشتراط المعاوضة في التجديد روايتان، ثمرتهما ثبوتها في الصدقة والهبة، وقيد التجدد احتراز من رجلين اشتريا دارًا معًا فلا شفعة لأحدهما، واللازم احتراز من بيع الخيار، وقيد الاختيار احتراز من الإرث‏.‏

فرع‏:‏

وفي الكتاب‏:‏ لا تؤخذ من المشتري شراء فاسدًا، لأن عقده يفسخ، ولو أخذ بالشفعة يفسخ أيضًا، لأن الشفيع تنزل منزلة المشتري، وكذلك لو باعه المشتري بيعًا فاسدًا إلا أن يفوت بما تقدم في البيوع فلا يرد، وتجب القيمة، ويشفع بتلك القيمة لتقرر ملك المشتري بها؛ فإن فات ببناء زاده المبتاع فعلى الشفيع قيمة ما أنفق المشتري لئلًا يذهب ماله مجانًا، وإن تهدمت لم ينقض الشفيع شيئًا لأنه شيء لم ينتفع به المشتري، ولا ضرر على الشفيع لأنه مخير، وإن فاتت بالبيع الصحيح أخذ بثمن ذلك البيع الصحيح ويتراد الأولان القيمة لأنها التي تقررت، ولا يأخذ بالبيع الفاسد، لأنه يزول البيع الصحيح ويبقى الفاسد بغير فوت؛ فإن كان بنى وهدم فله الأخذ بالثمن الصحيح وبالقيمة في الفاسد إن لم تفت بهذا؛ فإن تراد المتبايعان القيمة بعد البيع الثاني فله الأخذ بالقيمة التي تراداها بقضاء أو بغير قضاء، أو بالثمن لأن مبتاع الصحة لو رد ذلك لعيب بعد تراد الأولين القيمة لم يكن للمبتاع الأول ردها على البائع بيعًا فاسدًا لصحته بأخذ القيمة، ولكن يرد بالعيب ويأخذ بالقيمة التي دفع، قال صاحب النكت‏:‏ إذا أخذ بالبيع الفاسد ففات عنده‏:‏ فعليه الأقل من قيمته يوم قبضه المشتري، أو يوم قبضه هو، لأن أخذه كان فاسدًا، وقال أبو محمد‏:‏ إذا ولاه في البيع الفاسد باشتراط السلف على المشتري فينبغي على قول ابن القاسم إذا فاتت بيد المشتري الأول أن عليه الأقل من قيمتها أو الثمن، وإن فاتت بيد الأول؛ فإن كان إنما ولاه على نحو ما كما هو عليه من البيع والسلف لزم المولى ما يلزم المبتاع، وهو الأول، وإن ولاه بالثمن - وهو مائه مثلًا - وسكت عن السلف ففاتت بيد المولى، وقيمتها يوم البيع الأول بلا سلف خمسون، وبالسلف ستون‏:‏ فعلى المبتاع الثاني قيمتها يوم قبضها من الأول، إلا أن تكون أقل من خمسين فلا ينتقص أو أكثر من الثمن، قال بعض القرويين‏:‏ إذا سكت عن السلف فأخذها الثاني بالثمن يخير الثاني؛ فإن ردها على الأول خير الأول بين إسقاط السلف والتمسك بالبيع، لأن الأول اشترى على أن يسلف، والثاني كذب في الثمن لما لم يذكر السلف؛ فإن فاتت عند المشتري قبل العلم بها فعليه الأقل من قيمتها أو المائة، هذا الذي في الكتاب‏.‏

وقول أبى محمد في قيمة السلعة بالسلف لا يفيد هذه القيمة شيئًا لأنه إنما جعل عليه القيمة إلا أن تكون أقل من قيمتها بلا سلف فلا ينقص أو كثر فلا يغرم، فصارت القيمة بالسلف ملغاة، فهو معيب من كلام أبي محمد، وأما باقي كلامه فيمكن صحته، قال ابن يونس‏:‏ في الموازية‏:‏ إن لم يفسخ بيع الشفعة حتى فات بين الشفيع بما يفوت به الربع في البيع الفاسد رجع البائع على المشتري بقيمته يوم قبضه، ولزم الشفيع ما لزم المشتري من تلك القيمة إلا أن تكون أكثر مما أخذ به، قال بعض القرويين‏:‏ إن فات بيد المشتري أخذه بالقيمة؛ فإن لم يعلم وأخذه بالبيع الفاسد رد، إلا أن يفوت عند الشفيع، فعليه الأقل من قيمته يوم قبضه هو، أو القيمة التي وجبت على المشتري لعجزه عن رده بفواته عنده؛ فإن قال‏:‏ لا آخذ بالشفعة رد قيمة ما نقص، ولو أخذ قبل الفوات ففات عنده‏:‏ فعليه الأقل كما تقدم، وهو خلاف ما تقدم لمحمد، قال‏:‏ وهذا أبين، لأن الشفعة كالشراء، فإذا فاتت لزمت القيمة يوم القبض؛ فإن كانت أكثر قال‏:‏ آخذ بما لزم المشتري، قال محمد‏:‏ وليس للشفيع الأخذ بعد الفوت إلا بعد معرفة القيمة اللازمة للمشتري، وإلا فسد الأخذ كالجهل بالثمن، قال سحنون‏:‏ كيف يكون للمشتري الأول ردها بالعيب على البائع الأول والبيع الأول قد انتقض ووجبت فيه القيمة لفوته، وإنما يجب عليه الرجوع بفضل ما بين القيمتين صحيحة ومعيبة، فيصير على المشتري غرم قيمة ما فات في يديه ولا رد له، كما قالوا‏:‏ إذا تعدى على دابة فضلت فغرم قيمتها بعد أن وصفها وحلف، ثم وجدت على خلاف ما وصف‏:‏ ليس لربها أخذها بل تمام القيمة، قال اللخمي‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ لا يفوت الربع بحوالة سوق في البيع الفاسد، ولا شفعة، وقال أشهب‏:‏ فوات وفيه الشفعة قياسًا على غيره، وإذا أخذ قبل الفوت وفات عنده، قال محمد‏:‏ يلزم الشفيع ما يلزم المشتري إلا أن يكون أكثر مما أخذ به المشتري فيخير بين رد الشفعة أو التمسك بتلك القيمة، ويسقط الأخذ كالشفعة، ويكون عليه بقيمته يوم قبضه لئلًا يقبض صحيحًا ويرد غيره، وإن أخذ بثمن صحيح وجهل الفساد، خير بين التمسك بذلك الثمن فيكون بيعًا حادثًا وبين الرد، وإن لم يعلم حتى فات عنده‏:‏ فعليه الأقل من القيمة لأنها ثمنه أو الثمن الذي أخذ به المشتري‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا أوصى أن يباع من فلان بكذا فلم يقبل فلان، فلا شفعة لعدم الانتقال، وكذلك‏:‏ اشهدوا أني بعته بكذا إن قبل، فلم يقبل‏:‏ قال ابن يونس‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا أوصى بثلث داره يباع فبيع لا شفعة للورثة كأن موروثهم باعه‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ اختلف قول مالك في هبة غير الثواب، ولم يختلف قوله في عدم الشفعة في الميراث فقاسها مرة على الميراث بجامع عدم العوض، ومرة على البيع بجامع نفي الضرر خلافًا لـ ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏، لنا‏:‏ ظواهر النصوص المتقدمة، احتجوا بقوله عليه السلام ‏(‏الشفعة في كل شرك ربع أو حائط، ولا يحل له أن يبيع حتى يعرضه على شريكه، فإذا باعه فشريكه أحق به‏)‏ فعلق حق الشفعة بالبيع، وقياسًا على الإرث، ولأن الضرر في صورة النزاع عظيم بإبطال التمليك بغير عوض فيبطل مقصود الواهب، بخلاف البيع‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ القول بالموجب، لأن عمومه يوجب الشفعة في الهبة‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ أن الوارث غير مختار فلم يتهم في الضرر بخلاف الموهوب‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ لا ضرر على الموهوب، لأن الشفيع عندنا يعطيه القيمة فيدفع الضرر‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا شفعة في بيع الخيار حتى يتم البيع، وقاله ‏(‏ح‏)‏ وأحمد، خلافًا لـ ‏(‏ش‏)‏، أحتج بأن الخيار حق للمشتري أو البائع، والشفيع مقدم عليها، وجوابه‏:‏ أن المبيع في زمن الخيار على ملك البائع، فلم يتحقق الانتقال الذي تترتب عليه الشفعة، وهذه قاعدة مختلف فيها‏:‏ هل الملك في زمن الخيار للبائع أو المشتري‏؟‏ فالخلاف في الشفعة مبني عليه، قال التونسي‏:‏ إن باع بالخيار فباع الثاني بيع بت‏:‏ إن رضي مشتري الخيار الشراء كان له الشفعة على مشتري البت كأن بيع الخيار ‏(‏لم يزل ماضيًا قبل بيع البت، قال‏:‏ ولا يقال‏:‏ يلزم أن يكون لمشتري الخيار‏)‏ على بائع البت، لأنا نقول‏:‏ إذا جعلنا الأول كأنه لم يزل كان كمن باع الشفعة، أو يكون ابن القاسم فرع هاهنا على القول بأن من باع شفعته بعد وجوب الشفعة سقطت، وفيه قولان، وقال أشهب‏:‏ يجعل بيع الخيار كأنه إنما أمضي يوم اختار المشتري إنفاذه، فصار مشتري الخيار قد وجبت له الشفعة في بيع البتل قبل أن يبيع، فليس بيعه بالذي يسقط شفعته، وقال مطرف‏:‏ إذا باع نصف دار بالخيار لأحدهما، ثم باع باقيها بيع بتل‏:‏ فإن اختار رب الخيار تنفيذ البيع وهو المبتاع، شفع مشتري البتل؛ فإن رد البيع فلا يشفعه البائع الأول، لأنه الذي باع، قال اللخمي‏:‏ قال بعض الناس‏:‏ تجب الشفعة إذا كان الخيار للمشتري، لأن البيع انعقد من جهة البائع بخلاف الخيار للبائع، وإذا باع أحدهما نصيبه بالخيار، وباع الآخر نصيبه بتلًا‏:‏ فالشفعة لمشتري الخيار على مشتري البتل ‏(‏عند ابن القاسم، وقال غيره‏:‏ لمشتري البتل على مشتري الخيار‏)‏ هذا في المشترين، واختلف في البائعين؛ فقيل‏:‏ لا شفعة لهما لأن كل واحد باع ما يشفع به، وقيل‏:‏ هي لمن باع بتلًا على مشتري الخيار، لأن بيعه تأخر فهذا على القول أن بيع الخيار إذا أمضي كأنه لم يزل منعقدًا من يوم العقد، وعلى القول الآخر‏:‏ يشفع بائع الخيار من بائع البتل، لأنه إنما يراعى يوم التمام، والقياس‏:‏ عدم الشفعة كبيع ما يشفع به، وفي الجواهر‏:‏ اختلف في بيع الخيار إذا أمضي‏:‏ هل يعد ماضيًا من حين عقده أو من حين إمضائه‏؟‏ وعلى هذا يتركب الخلاف فيمن باع نصف دار بالخيار، ثم باع النصف الآخر بتلا هل الشفعة لذا ولذلك‏؟‏ واختلف في بيع الحصة التي يشفع بها‏:‏ هل تسقط حق الشفعة أم لا‏؟‏ وعلى الأول‏:‏ هل يسقط الاستشفاع في بعض الحصة المشتراة ببيع بعض الحصة المستشفع بها‏؟‏ خلاف، وتتركب على الخلاف في مسألة الخيار مسألة بيع الحصة، والخلاف في فروع‏:‏ إذا باع حصته بيع خيار، ثم باع الآخر بتلًا ففي تعين الشفيع أربعة أقوال مبنية على أصول الخلاف المتقدم، لأنا إذا فرعنا على أن بيع الحصة المستشفع بها يسقط الشفعة انحصرت الشفعة لمن ابتاع في هذه الصورة، ثم هل هو مبتاع الخيار أو البتل‏؟‏ خلاف على الخلاف في إمضاء بيع الخيار كما تقدم، وإن فرعنا على أن بيعها لا يسقط فالشفعة لمن باع، وفي تعيين بائع الخيار أو البتل قولان أيضا على الخلاف في إمضاء بيع الخيار هل يقدر من حين الإمضاء أو من حين العقد‏؟‏

‏(‏فرع مرتب‏)‏

في النوادر وفي الموازية‏:‏ إذا سلم شفعته قبل تمام الخيار، له القيام إذا تم الخيار‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا بيعت فباع المشتري منك لغيرك‏:‏ لك الأخذ لأنك قد لا ترضى بالشريك الثاني بخلاف الأول‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا تجوز هبة الوصي شقص اليتيم إلا لنظر، كبيعه لربعه لغبطة في الثمن، أو لأن غلته لا تكفيه، أو لوجه نظر، لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن‏)‏ وفيه الشفعة، وقاله ‏(‏ش‏)‏ بجامع نفي الضرر، وهبة المكاتب والمأذون على العوض تجوز بلا محاباة لقدرتهما على التصرف وفيه الشفعة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الشفعة في الغياض والآجام، وإن كانت الأرض بينهما‏.‏

فائدة‏:‏ في التبيهات‏:‏ الغياض والآجام‏:‏ الشجر الملتف أو القصب ونحوه‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ليس لأحد المتفاوضين فيما باع الآخر شفعة، لأن مبيع أحدهما يلزم الآخر، بخلاف المتقارضين إذا اشترى العامل شقصًا هو شفيعه أخذ، ولا يمنعه رب المال، وإذا كان رب المال الشفيع أخذ، وفي التنبيهات‏:‏ قال سحنون‏:‏ إذا أخذ العامل فعهدته على رب المال في مال القراض، قال اللخمي‏:‏ قيل‏:‏ لا شفعة للعامل قال‏:‏ وهو أبين، إذا قال‏:‏ اشتريت للقراض، وهو عالم بوجوب الشفعة للشريك، لأن ذلك إقرار منه أنه قصد الربح، والشفعة لا ربح فيها فهو خلاف ما أقربه، وإن جهل فأعلم بعد الشراء حلف وأخذ، وإن قال‏:‏ قصدت بالشراء نفسي وتعديت على المال‏:‏ كان لصاحب المال أن يباع له ويأخذ جزءًا من ربحه، وهذا حكم كل من أخذ مالًا ليتجر فيه لصاحبه فتعدى وتجر فيه لنفسه‏:‏ أن الربح لصاحب المال إلا أن يكون بيع فيه ربح أو خسارة فيترك ولا يباع لعدم الحاجة لتعين مقدار الربح، قال صاحب النكت‏:‏ إنما لم يكن للمقارض عهدة على رب المال إنما أذن له في جر المنافع إليه، وهذا ليس فيه منفعة، لأنه يأخذ سلعته بثمنها، ولا عهدة لرب المال على العامل، لأن العهدة في الأصل على المال المقترض، والمال لصاحب مال القراض، فلا عهدة له، قال ابن يونس‏:‏ إنما قال في الكتاب ما وقع لأن مالكاً قال‏:‏ إذا اشتريت ما أنت شفيعه مع أحد ضربت بالشفعة بقدر نصيبك قبل الشراء، ولا تضرب بما اشتريت، وقال أشهب‏:‏ عهدة كل واحد من المقارض ورب المال على البائع، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ للعامل أخذ ما بيع في شركة مال القراض، لأنه مالك لما اشترى بمال القراض؛ فإن لم يأخذ فلرب المال الأخذ، قال‏:‏ فإن اشترى بمال القراض شقصا في شركة رب المال لا أخذ له، كما لو اشتراه وكيله، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ له الأخذ، لأن للعامل حقًا، فأشبه الأجنبي‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ وفي المدونة‏:‏ إن ادعيت سدس دار فأنكر وصالحك على شقص دفعه إليك من دار له، فالشفعة في الدار التي لا دعوى فيها، ‏(‏لأن قابضه مقر أنه اشتراه ودفع في ثمنه السدس المدعى فيه‏)‏، ولا شفعة في الشقص المدعى فيه، لأن قابضه يقول‏:‏ إنما أخذت حقي وافتديته بما دفعت فيه ولم اشتره، قال أبو محمد‏:‏ ولو كان الصلح على إقرار كانت الشفعة في الشقص، فلو صالحته منه على عوض أو دراهم على إقرار، فيه الشفعة بقيمة العوض، وقيل‏:‏ الدراهم، أو على إنكار، فلا شفعة لعدم تحقق انتقال الملك، وفي التنبيهات‏:‏ قوله في الكتاب‏:‏ في المصالح في دعوى في سدس دار‏:‏ تقيد الشفعة في المناقلة على إحدى الروايات في منع ذلك على أي وجه كالمتعاوض، كان المتناقلان شريكين في الأصل أو في أحدهما أو لا، إذ لو لم يكن عنده هنا بينهما شفعة لكان من حجة دافع السدس أن يقول‏:‏ لم أبع أصلًا إلا بأصل لا بثمن، فلا شفعة علي فيما أخذت فيه، وقد قيل في هذا الباب كله‏:‏ لا شفعة، كان ما ناقله به فيه شرك مع المشتري أو غيره، وهي رواية ابن القاسم إذا قصد المناقلة والسكنى دون البيع، وعن مالك‏:‏ المناقلة التي لا شفعة فيها بيع حصته من شريكه بأصل آخر منه فيه شرك أيضا ليوسع حظه بما صار له من حظ شريكه، فلا تكون المناقلة على هذا إلا بشرط شركتهما في الأصلين المتناقل بهما، وهو بين في عدم الشفعة، وقال مطرف‏:‏ لا شفعة إذا كانت شركة من جهة واحدة في البيع الواحد فتسقط في الجهة التي أخذ من شريكه ليوسع به في منزله دون ما دفع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أعمرت على عوض فسد، لأنها إجارة مجهولة المنافع ولا شفعة، ويرد المعمر الدار، وإن استغلها رد غلتها وعليه أجرة سكانها، لأن ضمانها من ربها، ويأخذ عوضه، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ الصواب‏:‏ الغلة للمستغل، وفي الكتاب‏:‏ قال بعض القرويين‏:‏ معنى يرد غلتها، أي كراء مغل الدار، وأما الغلة‏:‏ فلا، وقول محمد ليس خلافًا للمدونة حينئذ‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا شفعة لمن له حمل على جدار إذا بيع، لأنه غير شريك، ولا لصاحب علو على سفل، ولا لصاحب سفل على علو لعدم الشركة، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ إذا باع أحد شركاء العلو والسقف لصاحب السفل، فلا شفعة لأنه بناء مجدد، وإن كان السقف للعلو لا شفعة لصاحب السفل، لأنه مجاور لا شريك، وهل لشركاء العلو لأن السقف على ملكهم أو لا تثبت، لأنه ليس أرضا‏؟‏ وجهان لهم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا شفعة في أرض العنوة لعدم الملك، بل هي وقف للمسلمين، ولا يجوز بيعها، وإن بيعت أرض الصلح على أن الخراج على الذي جاز، فيها الشفعة، لأنهم مالكون الأرض؛ فإن شرط على المبتاع المسلم امتنع، لأن بإسلام الذمي ينقطع الخراج عن الأرض فهو مجهول وغرر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إن اشترى بعبد مغصوب فلا يأخذ الشفيع حتى يفوت العبد فيأخذ بقيمة العبد يوم العقد، لأنها المتعينة ثمنًا حينئذ، ولو اشترى بدارهم مغصوبة صح الشراء، لأنها لا تتعين، وأخذت الشفعة، وعلى الغاصب مثلها، وإن وجدها المغصوب منه بعينها بيد البائع ببينة أخذها ورجع البائع على المبتاع بمثلها‏.‏ وفي التنبيهات‏:‏ قوله هنا دليل على شراء ما اشترى بالثمن الحرام على ما قاله ابن سحنون وغيره، وفرق ابن عبدوس بين علم البائع وجهله، لأنه إذا علم به رضي بدفع سلعته بغير ثمن أو بثمن معيب، قال اللخمي‏:‏ إذا غصب عبدًا فاشترى به فقام الشفيع وهو قائم، أو بعد تغير سوقه أو تغيره في نفسه بزيادة أو نقص، فلا شفعة لحق البائع وحق المشتري، أما المشتري‏:‏ فلأن صاحب العبد إن لم يجد يؤخذ الشقص أو يجيز فعله بكتب العهدة، وأما البائع فيقول‏:‏ إن لم يجز العبد أخذت الشقص، وكل هذا يمكن مع وجود عين العبد، أما إذا تغير فالشفعة بالقيمة يوم العقد، لأن ربه لا يختاره حينئذ، ولربه أكثر القيمتين يوم الغصب أو يوم الشراء الذي يؤخذ من الشفيع، وفي النوادر‏:‏ إذا ابتاع بحنطة شقصًا فأخذه الشفيع بمثلها ثم استحقت الحنطة الأولى‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ يرجع على بائعه بمثلها، قال محمد‏:‏ وهذا غلط، بل يرجع بقيمة شقصه، ولو لم يؤخذ بالشفعة لأخذه بعينه، وقد قال مالك فيمن ابتاع حنطة بعينها فاستحقت‏:‏ أنه لا يرجع بمثلها، قال ابن القاسم‏:‏

؛ فإن اشترى بعبد قيمته ألفان شقصًا قيمته ألف، فأخذه الشفيع بقيمة العبد ثم استحق العبد رجع البائع بقيمة شقصه، ولو كان قيمة العبد ألفًا وقيمة الشقص ألفين ثم استحق العبد رجع البائع بقيمة شقصه، ولا رجوع للشفيع ولا عليه شيء، وقاله محمد، وقال عبد الملك‏:‏ إن كانت قيمة الشقص أكثر له الاستشفاع بذلك وله الرد، أو أقل رجع الشفيع بما بقي له، وقاله سحنون، قال محمد‏:‏ إذا غصب عبدًا فاشترى به لا شفعة له حتى يفوت بالموت، ولا تفيته العيوب، لأن لربه أخذه معيبًا، وكذلك لو اشترى العبد ولم يعلم بالغصب حتى ابتاع به الشقص، قال سحنون‏:‏ ليس هذا جواب ابن القاسم في الغصب، وإنما ينظر؛ فإن كان مشتري العبد عالمًا بغصبه ثم أجاز ربه البيع ثبتت الشفعة وإلا أنفسخ البيع، وإن لم يعلم أو علم في قيام الشفيع؛ فإن كان رب العبد قريب الغيبة انتظر حتى يقدم فيجيز، أو يعيدها فللمبتاع فسخ البيع، وإن لم يقم حتى أخذ الشفيع مضت الشفعة‏.‏

فرع‏:‏

في النكت‏:‏ قال بعض القرويين في الحائط بين الدارين لرجلين، والحائط خاصة مشترك فباع أحدهما داره بحقوقها فدخل الحائط في الشراء، فلشريكه الشفعة فيه، تقوم الدار بغير اشتراط الحائط، ويقوم الحائط فيأخذه بحصته من الثمن، كما إذا بيع ما فيه الشفعة وما لا شفعة فيه‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا باع أحد الشريكين نصفها معيبًا قبل القسم بغير أمر شريكه، ثم قدم شريكه‏:‏ إن أجاز البيع وإلا أخذ حصته وباقيه بالشفعة ودفع نصف الثمن، قيل‏:‏ أفلا يقاسم الذي لم يبع شريكه الذي باع؛ فإن وقع النصف المبيع في حصة البائع مضي عليه بثمنه‏؟‏ قال‏:‏ لا، بل يفعل ما تقدم، قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إن شاء لم يجز بيع حصته وأخذها وسلم، وأخذ الشفعة وقاسم شريكه بقية الدار، ويخير المبتاع في التمسك أو الرد، فترجع الدار بين الشريكين كما كانت، وإن شاء جعل بيع شريكه وأمضى ذلك ولا شفعة، وإن شاء فسخ بيع شريكه كله وقاسمه، لأنه يقول‏:‏ أدخل البائع على مقاسمة بعض الدار دون بعض إذ لم آخذ بالشفعة ولم أرض شركة من باع منه، وله أن يقول‏:‏ أنا أقاسمك هذا، ثم أقاسمك أيها الشريك فأؤدي أجرة القاسم مرتين وهو ضرر، ولكن افسخ وأقاسمك مرة واحدة، وقد تكون تنقسم اثنين ولا تنقسم أربعة إلا بضرر، وقال سحنون‏:‏ إذا لم يجز بيع نصيبه ولا جاز بيع نصيب شريكه ولا أخذ بالشفعة فليس له فسخ البيع حتى يقاسم شريكه البائع الدار نصفين؛ فإن وقع ما باع في سهم البائع نفذ البيع وإلا أنتقض، وكذلك قال أشهب في بيع أحدهما بيتًا من الدار بعينه، أو بيع حصته من فحل النخل، ولا سلم ولا أخذ بالشفعة ولا سلم بيع نصيب شريكه كما باع فلا يفسخ حتى يقاسمه شريكه، لأن فحل النخل ينقسم معها، وقد يقع في القسم لأحدهما، قال أشهب‏:‏ وأما لو باع نصيبه من حصة الدار فله إذا امتنع بما ذكرنا الفسخ قبل المقاسمة، لأن العرصة لا تنقسم إلا بالتراضي، وبيع الشريك نصيبه قسمة؛ فإن رضي شريكه نفذه له، وإن شاء أخذه بالشفعة، وإن شاء فسخ بيعه، قال أشهب‏:‏ وبيعه لنصيبه من بئر الأرض أو غلتها فليس للآخر فسخ، إنما له الشفعة أو تركها، أو بيعه جائز لأنها لا تنقسم مع الحائط، ولا تصير في أحد النصفين، بل تترك بعد القسمة يقسم ماؤها بالقلد وأما إن باع أحدهما شرب يوم أو أقل فلصاحبه الشفعة إن أجاز بيعه، وله رد بيعه إن كانت الأرض تحتاج للبئر، لأنه ليس في يومين أو ثلاثة ماء يقسموا فيه الأرض فيبقى في ذلك شرب من ماء هذا خاصة‏.‏

وفي النوادر‏:‏ قال عبد الملك ومطرف‏:‏ إذا باع نصيبه من الأرض معينًا وفي شركائه حاضر أو غائب أو صغير، أو المبتاع يظن أنه باعه حقه وحده، فلم يحدث فيه شيئاَ حتى قام الحاضر، وقدم الغائب، وكبر الصغير؛ فإن قام الحاضر بحدثان البيع قبل انقطاع حجته بطول حيازتها‏:‏ فالكل سواء يخيرون في الإجازة وأخذ الثمن أو الرد، ويأخذون عوضها فيما بقي من الأرض المشتركة، ويكون حظ الشريك فيما باع، لأنه على ذلك باع، وإن شاءوا أخذوا نصيبهم من المبيع وشفعوا ما بقي؛ فإن بني المبتاع العرصة أو طالت حيازته بمحضر الشركاء الحضور فلا قيام لهم على المبتاع، وكلامهم مع البائع؛ فإن اعترف أن حقهم في المبيع خيروا في الإمضاء أو أخذ نصيبهم من الأرض كما تقدم، وإن قال‏:‏ ما بعت ذلك من الأرض حتى صار لي دونكم حلف وانقطع حقهم في المبيع، وكانوا على حقهم فيما بقي من الأرض وأما الغيب والصغار فيخيرون في الثلاثة أوجه المتقدمة‏:‏ أخذ نصيبهم وقد بنى ويعطون قيمة نصيبهم من البنيان قائمًا لبنيانه بشبهة، أو أخذ ما بقي بالشفعة من حظ البائع وحظ الحاضر الذي انقطعت حجته، ويؤدوا ما زاد بناؤه في عرصتهم، وعن ابن القاسم‏:‏ إذا باع فدانًا من أرض مشتركة أو بقعة في أرض لرجل فيها شرك بحضرة الشريك وعلمه، فبنى وغرس سقطت الشفعة، بخلاف بيع الشائع، لأن سكوته في المعين رضًا بالبيع، كما لو باع ثوبًا بينهما‏.‏

وكذلك كل من بيع عليه شيء من ماله وهو حاضر لا ينكر لزمه البيع، ولو باع شائعًا نفذ البيع وشفع، قال اللخمي‏:‏ إذا باع أحدهما حصته معينة خير شريكه في خمسة أوجه‏:‏ أن يضمنها المشتري ويبيع له ما بيع، أو يكون ما لم يبع مشتركًا بينهما، ويخير البيع في المبيع، أو يكون الثمن بينهما، أو يرد البيع في نصيبه ولا يستشفع، أو يستشفع، أو يدعوا إلى المقاسمة؛ فإن صار المبيع للبائع مضي البيع، أوله خير في إجازة البيع في نصيبه، وكان للمشتري رد البيع في الباقي إلا أن يكون المردود يسيرًا؛ فإن قال البائع‏:‏ يبقى ما لم يبع شركة ونتساوى في المبيع ولكن نتقاسم فيصير ذلك لي أو لك، فقيل‏:‏ لا مقال له والمبدأ الشريك الذي لم يبع حسبما تقدم، وقيل له‏.‏ وهو أحسن، لأن كون ما لم يبع شركة ضرر عليه، وإنما رضي أن يكون ذلك على وجه المقاسمة، فإما رضي بإمضاء ذلك أو يرده ويرجعان إلى المقاسمة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن القصار‏:‏ لا شفعة للجار، وقاله ‏(‏ش‏)‏ وابن حنبل، وأوجبها ‏(‏ح‏)‏ للجار بالشركة في الطريق المشتركة في الدرب الذي لا ينفذ للأقرب فالأقرب، ويقدم شريك الملك على الكل‏.‏ لنا‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الشفعة في كل شرك ربع أو حائط‏)‏ والمبتدأ يجب انحصاره في الخبر، فتنحصر الشركة في الربع والحائط دون الطريق، ولقوله عليه السلام في الموطأ‏:‏ ‏(‏الشفعة فيما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت اطرق فلا شفعة‏)‏ ويدل من وجوه‏:‏ الأول‏:‏ حصر الشفعة فيما هو قابل للطرق والحدود، والجار لا يقسم‏.‏ الثاني‏:‏ قوله‏:‏ فإذا وقعت الحدود، والطرق ليس شأنها أن تعمل فيها حدود‏.‏ الثالث‏:‏ قوله‏:‏ وصرفت الطرق، والطريق لا يوضع فيها طرق، وقياسًا على الجار الذي داره قبالة الدار المبيعة، وبينهما طريق نافذ، ولأن ذلك ضرر على البائع بأن يبيع الجار بما أراد وإلا أخذ بالشفعة، فيتوقف المشتري الأجنبي فلا يتخلص من ضرر الجار أصلا، بخلاف الشريك يتخلص منه بالقسمة، ولأنها وجبت لضرر القسمة، والجار لا يقاسم احتج بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الجار أحق بسقبه‏)‏ وبقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏جار الدار أحق بدار الجار والأرض‏)‏ وبقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الجار أحق بالشفعة وينتظر بها ثلاثًا وإن كان غائبًا إذا كان الطريق واحدًا‏)‏ خرج هذه الأحاديث أبو داود وغيره، وروى محمد بن الحسن‏:‏ ‏(‏الخليط أحق من الشفيع، والشفيع أحق من غيره‏)‏ والخليط هو الشريك، فيتعين أن يكون الشفيع الجار، وقال عمر بن شريك‏:‏ ‏(‏قلت‏:‏ يا رسول الله، أرض لا شريك لي فيها ولا قسمة إلا الجوار، فقال عليه السلام‏:‏ الجار أحق بشفعته‏)‏ وبالقياس على الشريك بجامع الضرر‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ أن الصقب‏:‏ القرب‏.‏ ونحن نقول بموجبه، لأنه أحق بمعونته والعرض عليه قبل البيع، فلم قلتم‏:‏ إن ذلك هو الشفعة‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ أنه محمول على العرض، لأنه متروك الظاهر إجماعًا‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ منع الصحة، سلمناها لكنه محمول على العرض عليه قبل البيع، بدليل قوله‏:‏ ينتظر بها ثلاثًا، والشفيع الغائب لا يتقيد بالثلاث، ولأن الشريك يسمى جارًا لمخالطة بملكه‏.‏ ومنه تسمية الزوجة جارة، كقول الأعشى‏:‏

أجارتنا بيني فإنك طالقة كذلك أمر الناس عادٍ وطارقة فهو لم يسمها جارة لقربها، فيلحق بها الجار، بل للمخالطة؛ فإنها تسمى جارة وإن بعدت دارها‏.‏

والجواب عن الرابع‏:‏ منع الصحة، سلمنا صحته لكنه محمول على العرض فنقول بموجبه، وليس في اللفظ ما يقتضي غيره‏.‏

والجواب عن الخامس‏:‏ الفرق بأن الشريك يمكن التخلص من ضرره بالقسمة‏.‏

الركن الرابع‏:‏ ما به الأخذ، وفي الكتاب‏:‏ بعت نصف دار وعرض بأخذ نصف الدار بحصته من الثمن من قيمة العرض يوم الصفقة، تغيرت الدار بسكناه أم لا، لأن الأصل‏:‏ بقاء حقه في شفعة الشقص، وقال ‏(‏ش‏)‏ و‏(‏ح‏)‏‏:‏ إذا بيع شقص وعرض أخذ الشقص بحصته من الثمن، قال صاحب النكت‏:‏ لا يجوز الأخذ إلا بعد معرفة حصته من الثمن لئلًا يكون شراء مجهول؛ فإن فعل مع الجهل فسخ واستأنف الأخذ، قال التونسي‏:‏ أنظر إذا كان الشقص الجل هل له رد العرض لأن الأخذ كالاستحقاق عند ابن القاسم‏؟‏ وأما إن جعلناه كالبيع فلا رد، قال محمد‏:‏ كل ما بيع مع الشقص مما لا شفعة فيه لم يجز الأخذ قبل معرفة الثمن، وأما دواب الحائط وعبيده‏:‏ فذلك كبعضه إلا أن يضاف إليه يوم الصفقة، وقد كان أخرج منه قبل ذلك فيفض الثمن، ولا شفعة فيه، قال مالك وابن القاسم وأشهب في شقص وبعير بعبد، والبعير الثلث من الشقص يوم البيع، أخذ بثلثي قيمة العبد، أو شقص وقمح بدنانير، فلا بد من تقويم القمح والشقص فيأخذ الشقص بحصته، لأن المشتري دخل على تفريق الصفقة حيث جمعهما، فلا يمنع الشفيع من الأخذ، بخلاف أشقاص شفيعها واحد، فالتفريق من جهة الشفيع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا كان الثمن عبدًا معينًا فمات بيد البائع قبل دفعه، ضمنه البائع ويأخذ الشفيع بقيمة العبد وعهدته على المبتاع، لأن الشفعة وجبت بعقد البيع؛ فإن وجد بالعبد عيبًا رده وأخذ من المبتاع قيمة الشقص لتعذره بنفوذ الشفعة، بخلاف البيع الفاسد الذي تبطل فيه الشفعة لتعذر الرضا به بخلاف العيب، ولو استحق العبد قبل قيام الشفيع بطل البيع والشفعة لبطلان أركانه وهو العوض، أو بعد أخذ الشفيع نفذ، ورجع البائع على المبتاع بقيمة الشقص كانت أكثر مما أخذ فيه من الشفيع أو أقل، ولا تراجع بينه وبين الشفيع كبيع ثان، قال ابن يونس‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ ينتقض ما بين الشفيع والمشتري شقص ما بيد البائع والمشتري، ثم إن شاء الشفيع أخذ، ثم يجعل بيد البائع مما تراجعا إليه ويترك، وإن كانت قيمة الشقص أكثر له الأخذ بها، أو أقل رجع الشفيع بما بقي، مثاله‏:‏ قيمة العبد خمسون أخذ بها الشفيع‏.‏ فلما استحق رجع البائع بقيمة شقصه ستين فلا تراجع بينهم عند ابن القاسم للفوت بأخذ الشفيع، وكذلك لو كانت قيمة الشقص أربعين، وعبد الملك يخير الشفيع بين أداء عشرة تمام الشقص، أو رد الشقص، وإن كانت قيمة الشقص أربعين استرجع عشرة لكشف الغيب أن قيمته هي ثمنه، فبها يجب أن يأخذ الشفيع، قال اللخمي‏:‏ إن تغير الشقص بزيادة أو نقصان مما يرد به رجع البائع على المشتري بقيمته وكانت الشفعة للشفيع بمثل تلك القيمة وإن استحق العبد أو رده بعيب بعد الإشفاع وقبل الفوت بين المشتري والشفيع، لأنه لا يرد الشقص، واختلف بماذا يشفع‏؟‏ فعند ابن القاسم‏:‏ بقيمة العبد كما لو كان قائمًا بيد مشتريه لم يرده، لأن الأخذ بيع حادث، وقال عبد الملك وسحنون‏:‏ بقيمة الشقص لأن القيمة عادت ثمنًا، وهي التي وزن المشتري، وكذلك لو كان البيع بطعام فاستحق أو رد بعيب بعد الأخذ يرجع البائع بقيمة شقصه وتبقى الشفعة على قول ابن القاسم بمثل القمح، وعلى قول عبد الملك بقيمة الشقص وهو أحسن، وإن كانت قيمة الشقص أكثر من قيمة العبد‏:‏ خير الشفيع بين الأخذ والتسليم، كمن أخذ بثمن ثم تبين أنه أكثر، وفي التنبيهات‏:‏ قال في الكتاب‏:‏ من اشترى شقصًا بحنطة فاستحقت بعد أخذ البيع لم يرد البيع، والتزم له مثل طعامه، أو قبل الأخذ فلا شفعة، كذا رواه جماعة، ورواه ابن وضاح‏:‏ يغرم له قيمة الشقص، وكذا أصلحها سحنون وقال‏:‏ الرواية الأولى غلط‏.‏

وقال القابسي‏:‏ قوله‏:‏ ويغرم له مثل طعامه‏:‏ يرجع على الشفيع لا على المشتري، وعلى هذا لا يحتاج إلى إصلاح‏.‏ قال صاحب المقدمات‏:‏ إن باع من شريكه أو أجنبي بشقص من أصل له فيه شركاء، أو لا شركة له فيه فمذهب ابن القاسم وروايته‏:‏ الشفعة، وعن مالك‏:‏ إذا علم أنه إذا أراد المناقلة والسكنى ولم يرد به البيع لا شفعة، وقال مطرف‏:‏ المناقلة التي قال مالك‏:‏ لا شفعة فيها‏:‏ أن يبيع شقصه من شريكه بشقص من أصل له فيه شريك فيكون كل واحد منهما إنما أراد التوسعة في حظه بما صار إليه، فعلى هذا‏:‏ المناقلة إنما تكون في هذا الوجه، وعن مطرف‏:‏ إذا باع أحدهما شقصه من شريكه بشقص من أصل له مع شريك آخر لا شفعة لهذا الشريك الآخر في هذا الشقص، لأنه لم يقصد البيع بل التوسع في حظه، وعلى قول مطرف هذا‏:‏ لو كانت دار بين ثلاثة فباع أحدهم حظه من شريكه بأصل فلا شفعة للشريك الثالث، لأنه لم يرد البيع بل التوسعة فداء أصله، تكون المناقلة المختلف فيها في ثلاثة وجوه، وأصله متى وجدت أحد المتعاملين في الأصول قد أخذ من صاحبه شقصًا فما له فيه شقص في المناقلة التي لا شفعة فيها، وعلى تأويل مطرف عن مالك‏:‏ أن المعاملة في الأصول لا تكون مناقلة حتى يأخذ كل واحد من صاحبه شقصًا فيما له فيه شقص، وعلى ظاهر ما روي عن مالك‏:‏ أن المعاملة في الأصول كيفما وقعت فهي مناقلة، فلا شفعة، فيحصل في تعيين المناقلة التي لا شفعة فيها ثلاثة أقوال‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا باع قيمته ألف بألف وشقص قيمته ألف فالشفعة بنصف قيمة العبد لأنه مقتضى العقد، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ يأخذ بمثل الثمن إن كان مثليًا، وإلا بقيمته يوم البيع، أو لزومه في الخيار، وإن كان أجره أخذ بمثل تلك الشفعة، قال‏:‏ وفي الخلع تميز المثل‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا وهب للثواب، أو تصدق به على عوض، أو وصى به على عوض فهو بيع فيه الشفعة بقيمة العوض إن سماه وهو متقدم، أو مثله مقدارًا وصفة إن كانت عينًا أو طعامًا أو غيره، كانت الهبة قبل الواهب أو دفعها، وإن وهبه لما يرجوه ولم يسمه فلا قيام للشفيع إلا بعد العوض ليتحقق البيع، وإن تغيرت في بدنها قضي على الموهوب بقيمتها يوم قبضها فيأخذ الشفيع حينئذ بالقيمة المقضي بها لأنه الثمن هاهنا، فلو أثابه بعد تغيرها أضعاف القيمة قبل قيام الشفيع لم يشفع إلا بذلك كالثمن الغالي، وإنما يهب الناس ليثابوا أكثر في، التنبيهات‏:‏ قال بعض الشيوخ‏:‏ ليس هذا على أصله إلا أن يكون عوضًا معينًا، والذي يجب في غير المعين أن يشفع بمثل العوض، وقاله أبو عمران، وقوله‏:‏ إذا سمى فللشفيع الشفعة، وفي كتاب الهبات‏:‏ لا يأخذ حتى يثاب سمى أم لا، فقيل‏:‏ هو خلاف، وقيل‏:‏ وفاق، قال التونسي‏:‏ إن أثابه قبل الفوت أكثر من القيمة اتفق ابن القاسم وأشهب أنه لا يأخذ إلا بالجميع مع أنه كان قادرًا على أن يعطيه القيمة، ولا يقدر الواهب على الامتناع عندهما، واختلف إذا فاتت فأثابه أكثر من قيمتها؛ قال ابن القاسم‏:‏ لا يأخذ إلا بالجميع، وسواء بين فوتها وقيامها‏.‏ وقال أشهب‏:‏ بالأقل من الثواب أو قيمة الهبة، لأنه عنده كالواهب للزائد على قيمة الهبة، وإذا قال أشهب‏:‏ إن له قبل الفوت القيام بالقيمة ولا كلام للواهب، وجب أن لا يفترق فيامها وفواتها إلا على مذهب من يرى أن الهبة إذا لم تفت لم تلزم الواهب قيمتها، وأنه على هبته ما لم يرض منها، فعلى هذا لا يأخذ إلا بجميع ما أثابه قبل الفوت، لأن الموهوب لا يجبر على أخذها إلا بما دفع، وإن فاتت استشفع بالأقل لأنه لا يلزم في الحكم بعد الفوت إلا القيمة، قال ابن القاسم‏:‏ وعبد الملك‏:‏ لا يشفع حتى يدفع الثواب ويقضي به ويعرف، قال عبد الملك‏:‏ إذ لعله يقول‏:‏ لم أرد ثوابًا ولا أسمع قول الشفيع‏:‏ إنك أردت أبطال شفعتي، وإذا رؤي أنه قبض الثواب وكتمه أحلفه، وفي الكتاب‏:‏ إذا وهب لغير ثواب فعوض عنه‏:‏ فقيل‏:‏ إن رأى أن الهبة كانت لصلة أو صدقة فلا شفعة لأن العوض كهبة أخرى، قال محمد‏:‏ ولو أثابه شقصًا في دار لم يشفع فيه، لأنه هبة أخرى لغير فوات له، لدفعه لما لا يلزمه، قال صاحب النوادر‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا تصدق على أخته بشقص لأنه أخذ من ميراثها ما لا يصلح مقداره‏:‏ لا شفعة لعدم معرفة الذي وهب لأجله، قال سحنون‏:‏ لو كانت تدعيه فصالحها‏:‏ يشفع بالقيمة وإن لم يسم ما أصاب من الميراث، وعن ابن القاسم‏:‏ إن وهب دارًا فاستحق نصفها وشفع المستحق فجميع الثمن للواهب، ولو وهب شقصًا اشتراه فأخذه الشفيع من الموهوب‏:‏ فله الثمن عند ابن القاسم إذا كان يعلم أن له شفيعًا، وقال أشهب‏:‏ الثمن للواهب في الشفعة والاستحقاق، قال محمد‏:‏ وهو أحب إلينا لأنه بالبيع الأول يأخذه، فهو يفسخ ما بعده، قال الأبهري‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا وهب أو تصدق على بعض أخوانه صغارًا ووهب لقرابة بينهم صلة لم يحلف أبو الموهوب له، وإن لم تكن الهبة لقرابة ولا صدقة ولا لحاجة حلف؛ فإن كان بينهم إخاء أو صداقة، ولا قرابة بينهم‏:‏ فإن ظن أنه إنما وهب للثواب، لأنه محتاج وهم أغنياء، أحلف، وإن كان لم يهب للثواب وكان مستغنيًا عن ثوابهم لم يحلف، ومتى كان الولد كبيرًا لم يحلف الأب بل الولد، لأنه القابل للهبة والمطلع عليها، وضابط هذه المسألة‏:‏ النظر إلى قرائن الأحوال والغالب على الحال، وليس الذي هو دين لغيره، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ الشفعة في هبة الثواب دون غير الثواب، ولا يشترط التقابض، قياسًا على البيع، والفرق عندنا‏:‏ تعين الثمن فأمكن الأخذ به، بخلاف الثواب، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏ ولأن عدم اللزوم فيها يلحقها ببيع الخيار‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا دفعه في خلع أو نكاح أو دم عمد أخذ بالقيمة لتعذر الثمن، أو دم خطأ فبالدية لأنها مقررة؛ فإن كانت العاقلة أهل إبل فبقيمة الإبل، أو أهل ورق وذهب فبذهب أو ورق ينجم على الشفيع كما ينجم على العاقلة‏.‏

قال صاحب التنبيهات‏:‏ قوله‏:‏ أخذ بقيمة الإبل، قال سحنون‏:‏ معناه تقوم الإبل على أن تقبض في آجالها وقبض القيمة الآن نقدًا، وقيل‏:‏ متى حلت سنة قوم ثلث الإبل حينئذ وقبض، واعترضه سحنون بأنه يبيع الدين بالدين، وعن سحنون أيضا‏:‏ تؤخذ بمثل الإبل على آجالها لا بقيمتها، لأنها أسنان معلومة، وقال سحنون‏:‏ إن كانت الدية عينًا قومت بالعرض الذي قومت به، وعلى قول ابن القاسم وأشهب‏:‏ بل تشفع بالعرض الذي قومت به، وعلى قول ابن القاسم وأشهب‏:‏ يشفع بمثل العين ولا يقوم إن كان عديمًا إلا بحميل ثقة كما قال فيمن اشترى بالدين يشفع فيه؛ فإن لم يأت بحميل ثقة‏:‏ فعلى قوله في كتاب محمد‏:‏ لا يشفع، وعلى قول ابن نافع‏:‏ يشفع ما لم ينقض الأجل، وقال في الكتاب‏:‏ لا أرى الصلح على القذف، لأن الحدود التي هي فيه إذا بلغت السلطان لا يعفي عنها، ولا يصلح فيها الصلح على مال انتهي بها للسلطان، قال صاحب التنبيهات‏:‏ قال سحنون‏:‏ بل يجوز الصلح، قال فضل‏:‏ ويكون فيه الشفعة قبل انتهائه على أحد الأقوال في جواز العفو بعد البلوغ إلى السلطان، قال حمديس‏:‏ لا فرق بين حقوق بدنه وعرضه، وإن منعت مكارم الأخلاق من ثمن العرض، وقال أشهب‏:‏ الحدود التي لا يشرع فيها الصلح هي التي لا يشرع فيها العفو، كالسرقة والزنا، وما عفي فيه صولح فيه لأنه حق، فيتمكن من التصرف فيه بالعفو فيتصرف فيه بالعوض كإبراء الدين وفي النكت‏:‏ قال‏:‏ الفرق بين أخذه عن دية الخطأ وبين ذهب وورق‏:‏ إنما يأخذ بالدية، وبين أخذه عن الدية وهي إبل، إنما يأخذ بقيمة الإبل بخلاف من اشترى شقصًا بعروض مضمونة إنما يأخذ بمثل تلك العروض أن الدية في الإبل غير محصلة في الصفة والمقدار، وإنما هي أسنان فكان الغرر أكثر قال التونسي‏:‏ لم يتكلم سحنون على القاتل خطأ يصالح بشقص على أن تكون له الدية على العاقلة وهو غرر لعدم ضبط صفاتها، قال ابن يونس‏:‏ يريد في دم العمد لا يجوز الإشفاع إلا بعد معرفة القيمة وقال الشافعي‏:‏ الإشفاع بالنكاح بمهر المثل‏.‏ لنا‏:‏ أن النكاح لا ينضبط في زيادته ونقصانه للمكارمة فيلغى وتعتبر القيمة، وقد يكون مهر المثل ألفين فتسامحه الزوجة فتأخذ ما قيمته مائه يجحف بالشفيع، وعكسه بجحف بالمرأة، وقيمة الشقص لا قيمة فيها على أحد، وقال سحنون‏:‏ لا يجوز أخذ شقص في نصف الدية ولا غيره حتى يحكم فيه حاكم، لأنه مفوض إليه لتردده في تأجيله بين السنة والسنتين، لأن الجميع في ثلاث سنين، وقال في التصالح عن جميع الدية على شقص والعاقلة أهل ذهب أو ورق يجوز ويرجع عند ابن القاسم بالأقل من قيمة، أو الدية إن كان صلحه عليهم، أو أهل إبل؛ فإن كان القاتل يعطي الشقص ولا يرجع على العاقلة جاز، أو يرجع عليهم امتنع لأنهم مخيرون في ذلك، قال التونسي‏:‏ إذا صالح على موضحتين‏:‏ عمد وخطأ، قال ابن القاسم‏:‏ يأخذه بدية الخطأ وهي خمسون دينارًا ونصف قيمة الشقص، فقسم الشقص على الموضحتين، والعمد لا دية له إلا ما اصطلحوا عليه، وهو غير منضبط، وإن صالحه على شقص وعشرة دنانير على هذا كانت العشرة من الخطأ محطوطة وبقي منه أربعون، والعمد خمسون، ويأخذ الشفيع بأربعين وخمسة أتساع قيمة الشقص، لأنه بقي من الخطأ أربعون مع الخمسين في العمد، وذلك تسعة للعمد خمسة، ولو صالحه على عرض وشقي فالعرض من العمد والخطأ، إذ ليس من جنس ما يجب في الخطأ ولم يختص بأحدهما؛ فإن كانت قيمته عشرين‏:‏ فأربعين ونصف قيمة الشقص، قاله يحيى بن عمر، وقال أصبغ‏:‏ إن كانت قيمة العرض مثل قيمة الشقص فالشقص عن نصف الموضحتين فيأخذه بنصف موضحة الخطأ‏:‏ خمسة وعشرين ونصف قيمة الشقص، وإن كانت قيمته خمسين فأقل أخذه بخمسين موضحة الخطأ، وإن كان العمد عنده لم يأخذ عنه شيئًا لأنه إنما يجعل الزائد على ذلك الخطأ وهو المأخوذ عن العمد؛ فإن كانت قيمته ستين أخذه بخمسين وسدس‏:‏ قيمة الشقص، لأن العمد عنده إنما يكون له الفضل، وعلى مذهب المخزومي‏:‏ الشقص كله للعمد، وقول ابن نافع‏:‏ لم يحمل على دية الموضحة الخطأ؛ فإن قيمته حمل عليه موضحة الخطأ وذلك خمسون، فصار العمد ثلثا الشقص فيؤخذ الشقص عنده بخمسين وثلثي قيمته، وإنما شبهه بالمجهولات التي تكون في الوصايا ويحمل على ذلك المعلومات، وجعله ابن القاسم مأخوذًا عن الجملة لو كانت قد صولح عليها فجعله كالمعلومات، ويلزم على قوله‏:‏ لو صالح به على موضحة خطأ ونفس عمدًا‏:‏ أن يأخذ بخمسين دينارًا دية الخطأ، وبقيمة عشرين جزءًا من الشقص من أحد وعشرين ويضيف إليها موضحة الخطأ وهي خمسون، فيجمع ذلك أحد وعشرون، ولو دفع الجارح عبدًا وأخذ من المجروح موضحتين شقصًا فعلى قياس قوله‏:‏ إن كانت قيمة الشقص خمسين صار المجروح دفع موضحة خطأ بخمسين، وموضحة عمدًا بمثل ذلك لتساويهما عند ابن القاسم، وشقصًا بخمسين، وأخذ من جملة ذلك عبدًا، فيؤخذ الشقص بثلث قيمة العبد، ساوى العبد أكثر أو أقل، وعلى مذهب ابن نافع‏:‏ تعتبر قيمة العبد إن كانت مائة فأقل، فليس للعمد شيء، وكان العبد مأخوذًا عن الشقص وموضحة الخطأ خاصة، فيؤخذ الشقص بنصف قيمة العبد، وإن كانت قيمة العبد مائة وخمسة وعشرين فللعمد خمس العبد، وللشقص خمساه، فيأخذه بخمسي قيمة العبد، وعلى قول المخزومي‏:‏ إن كانت قيمته مائة كان عن موضحة العمد خاصة، ويحمل عليه موضحة الخطأ وقيمة الشقص وهي خمسون، صار الجميع مائتين، فالذي ينوب الشقص ربع قيمة العبد فيشفع بذلك، قال ابن يونس‏:‏ جعل المخزومي الشقص في الموضحتين يحمل دية الخطأ على قيمة الشقص؛ فإن كانت ثلث الجميع شفع بخمسين وثلثي قيمة الشقص، وكذلك فيما قل أو كثر من الأجزاء، لأنه لو صالح عن موضحة عمدًا فقط كان الأخذ بقيمة الشقص، فصارت قيمته كلها قيمة موضحة العمد، ولو دفعه عن موضحة الخطأ أخذ بخمسين دينارًا دية الخطأ، فلما اجتمعتا ضرب في قيمته لموضحة الخطأ بديتها ولموضحة العمد بقيمة الشقص كمن أوصى بمعلوم ومجهول؛ فإن جميع ذلك في الثلث، ويضرب للمعلوم ويقدر المجهول الثلث، ويلزم ابن القاسم أن يعطى المجهول في الوصايا كوقيد المسجد نصف الثلث، قال محمد‏:‏ ولو أخذ من موضحة خطأ شقصًا ودفع خمسين فالأخذ بمائة، وإن أعطى المجروح في دية العمد عشرة دنانير؛ فإن كانت قيمته خمسين‏:‏ فعلى الشفيع عشرة وأربعة أخماس قيمة الشقص، أو ستين فعشرة وخمسة أسداس قيمة الشقص، وكذلك ما لم تنتقض القيمة من العشرة فلا تنتقض وهو قياس قول ابن نافع، ومتى وقع مع الشقص عرض أو مال في النكاح أو الخلع أو دم لم يأخذ إلا بقيمة الشقص ما بلغ، إن كانت قيمته ربع ما وقع معه أو أقل‏.‏ وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يصح الصلح على دم العمد أو الخطأ إلا أن تكون الإبل موجودة ومعروفة السن، فإذا صح فيه الشفعة‏.‏

تمهيد‏:‏ قال اللخمي‏:‏ الشفعة بمثل الثمن في الدنانير والدراهم والمكيل والموزون، وأما العرض وغير ذلك من غير المثليات؛ فإنه أقسام‏:‏ الأول‏:‏ عرض أو عبد بعينه، فقيمته يوم البيع لا يوم الإشفاع‏.‏ الثاني‏:‏ موصوف في الذمة حال فبمثله الآن‏.‏ الثالث‏:‏ الصداق، قيل‏:‏ بالقيمة، وقيل‏:‏ بصداق المثل قياسًا على استحقاق الشقص، قيل‏:‏ يرجع بقيمته أو بصداق المثل‏.‏ الرابع‏:‏ الخلع ودم العمد فبالقيمة‏.‏ الخامس‏:‏ صالح عن دعوى في دار أو عبد، والمدعى عليه منكر، فبقيمة المدعى فيه، وقيل‏:‏ لا شفعة، لأن المدفوع به خصومة لا عوض محقق، قال‏:‏ والقياس‏:‏ الاستشفاع بقيمته لأن قيمة المدعى فيه ظلم على الشفيع، لأن العادة في الصلح على الإنكار لا يؤخذ ما يساوي المدعى فيه، والمسامحة فيه أكثر من النكاح، فإذا لم تأخذ المرأة صداق المثل فهذا أولى‏.‏ السادس‏:‏ هبة الثواب، وقد تقدم حكمها‏.‏ السابع‏:‏ ثمن جزاف، قال محمد‏:‏ في الحلي الجزاف بقيمته، الذهب بالفضة، والفضة بالذهب يوم العقد، لا يوم الأخذ، وكذلك سائر الجزاف‏.‏ الثامن‏:‏ ما له مثل فيتعذر ذلك المثل فيرجع إلى القيمة‏.‏ وقال مالك‏:‏ يخير المشتري بين القيمة والصبر حتى يتيسر، وفي النوادر‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إذا تزوجها بشقص وأخذ منها دينارًا وفي ذلك فضل ما لا ينقص النكاح، ضم الدينار إلى قيمة الشقص؛ فإن كان من جمعيه العشر شفع بدينار وتسعة أعشار قيمة الشقص، وكذلك بقيمة الأجزاء؛ فإن أصدقها شقصًا وعبدًا وأخذ منها عبدًا وعشرة دنانير وفي ذلك فضل مما لا يفسد النكاح، ضمت العشرة إلى قيمة الشقص والعبد؛ فإن كانت العشرة السدس فقد شغلت من العبد بسدس من الشقص؛ فإن كانت قيمة الشقص أربعين، وقيمة العبد عشرة فذلك مع العشرة التي أخذ ستون، في شفعة بأربعة اخماس العشرة، وبخمسة أسداس قيمة الشقص، وقاله سحنون في الخلع، وفي كتاب محمد‏:‏ خالعته على دنانير علي إن أعطاها شقصًا؛ فإن كانت قيمته أكثر من الدنانير أخذه بمثل تلك الدنانير، أو أقل شفع بالأقل، وكذلك لو دفعت له عرضًا، وإن كانت الدنانير منه والشقص منها فعلى الشفيع الأكثر من قيمة الشقص أو الدنانير، وكذلك إذا أخذ المجني عليه عمدا شخصًا ودفع مالا شفع بالأكثر، وإن أعطي شقصًا وأخذ مالا شفع بالأقل، ولو جرحت زوجها موضحة خطأ ودفعت له عن الموضحة وعن الخلع شقصا شفع بالأكثر من دية الموضحة الخطأ أو قيمة الشقص، ولو دفع الجارح أو المختلعة شقصًا ومالًا، أو شقصًا وعرضًا، أو شقصًا وجرحًا، فالشفعة بقيمة الشقص ما بلغت، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ لا شفعة في شقص تزوج أو خالع أو استأجر به دارًا أو غيرها، أو صالح به عن دم عمد أو أعتق عليه عبدًا، ولا يشفع إلا في مبادلة المال بالمال، ولا في المصالح به على إنكار، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏ في الإجارة والنكاح والخلع‏.‏ لنا‏:‏ ظواهر النصوص المتقدمة، ولأنه جعل بدل الشقص ما يضمن بالعقد والإتلاف، فأشبه الإرث، أو المعاوض عليه بحمر أو الهبة، فهي ثلاث أقيسة‏.‏

والجواب عن الأول‏:‏ الفرق بأن الإرث لا يتهم بإدخال الضرر بخلاف صورة النزاع‏.‏

والجواب عن الثاني‏:‏ أن البيع في تلك المعاوضة باطل، وهاهنا المعاوضة ثابتة‏.‏

والجواب عن الثالث‏:‏ أن الشفعة في الهبة عندنا ولو سلمنا عدمها، لكن المعاوضة في صورة النزاع، بخلاف الهبة، فصورة النزاع أشبه بالبيع من الهبة، فتلحق به أولى، ولأنه يلزم تقويم البضع على الأجنبي وهو ضرر بالشفيع؛ فإنه حد تسامح فيه‏.‏ وأجابوا عن هذا الوجه، بأنه يقوم على المكره والراجع عن الشهادة بالطلاق، مع قيام ما ذكرتم‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أكرى بشقص أخذ بمثل الكراء لتلك الدار من مثل صاحبها إن مضمون فمضمون، أو معين فمعين؛ فإن أخذ بذلك ثم مات الآجر أو انهدم المسكن بعد مضي نصف السكنى أو العمل، إن كان المستأجر أجيرًا رجع بقيمة نصف شفعته، لأن أخذ الشفيع فوت، قاله ابن يونس، وقال أشهب‏:‏ إذا ماتت الإبل المستأجرة في نصف الدار رجع المكري على الشفيع بما رجع به رب الشقص عليه، فيقاصه بنصف ما كان منه من قيمة كراء الإبل إلا أن يكون كراؤها أكثر من قيمة الشقص فيكون الشفيع هو الراجع عليه بنصف كراء إبله، ويدع له من ذلك نصف قيمة الشقص، وهو على أصل عبد الملك‏:‏ إذا اشترى شقصًا بعبد فيشفع بقيمته، ثم استحق العبد‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إن تكلفت به فغاب فصالحت الطالب على شقص جاز إن عرفتما مبلغ الدين، والشفعة فيه بمثل الدين، ويرجع على المطلوب بالأقل من الدين أو قيمة الشقص، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ إن صالحت وأنت لا تعرف ما يثبت الذي تكلفت له إلا أنه قد سماه لك، فللشفيع أن يجيبه‏:‏ إن دينه كذا، ثم يأخذ به؛ فإن أخذ به ثم جاء الغريم فلم يستحق عليه شيء لم يرجع الكفيل عليه بشيء، ورجع على المتحمل له بالثمن الذي أخذ من الشفيع، لأنه الذي رضي أن يبيع به شقصه، وهذا إن كان صلحًا بغير إقرار منك، لم يرجع عليه بشيء، والشفعة في جميع ذلك إنما أخذ ما به ثبت الحق أم لا، وإن كان إنما تحمل بالوجه فصالح بشقص فالشفعة بالأقل من قيمة الشقص، أو بما على الغريم، وقال أصبغ‏:‏ إذا صولح في الإنكار لا شفعة، لأنه كالهبة، قال محمد‏:‏ وإن ادعيت حقًا في دار رجل غائب، والمدعى عليه منكر فصولحت على شقص فلا شفعة لعدم تعين المعاوضة؛ فإن ادعيت أنه قتل دابتك فصالحك على شقص، فالشفعة بقيمة الدابة، والقول قولك في قيمتها، وتكلف صفتها؛ فإن ادعيت ما لا يشبه صدق الشفيع فيما يشبه، كقول مالك فيمن اشترى شقصًا بعرض ففات العرض‏:‏ أن القول قول المشتري‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اختلف المبتاع والشفيع في قيمة العرض المشترى به فات بيد البائع أم لا‏:‏ ينظر لقيمته يوم البيع، لأنه مقصود المعاوضة؛ فإن هلك بيد المبتاع صدق مع يمينه، لأنه غارم؛ فإن جاء بما لا يشبه صدق الشفيع فيما يشبه؛ فإن أتيا بما لا يشبه وصفه المبتاع وحلف على صفته وأخذ الشفعة بقيمة تلك الصفة يوم البيع؛ فإن نكل المبتاع حلف الشفيع على ما يصفه هو وأخذ بقيمة صفته‏.‏ قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ إن هلك العرض الذي هو ثمن فأتيا جميعًا بما لا يشبه حلف المبتاع وله ما لا يتبين فيه كذبه؛ فإن امتنع حلف الشفيع وكان عليه أدنى ما لا يظهر فيه كذبه؛ فإن نكل؛ فإن ادعى أنه حضر، أو علم الثمن ونكل لم يأخذه إلا بأكثر ما لا يتبين فيه كذبه بعد أن يحلف‏:‏ ما يعلم ما ادعى المشتري، قال محمد‏:‏ فإن حلف فأحب إلي أن يحبس المشتري حتى يحلف؛ فإن ادعى الشفيع العلم ونكل فلا شفعة له، وعن مالك‏:‏ إذا هلك العرض فزعم المشتري أن قيمته ألف، وقال البائع‏:‏ الأقل، فليحلف المشتري على ما قال، ثم إن شاء الشفيع أخذ بذلك أو ترك إلا أن تقوم بينة بخلاف ذلك، وقال عبد الملك‏:‏ إذا نكل المشتري‏:‏ قال بعض أصحابنا‏:‏ يقبض الشفيع الشقص إن شاء، ويقال للمشتري‏:‏ متى أحببت حقك ببينة أو حلفك فلك القيمة يوم سلمته للبائع، قال‏:‏ فإن امتنع الشفيع من القبض لتوقع الكثرة فلا بد حينئذ من حلف المشتري على ما يعلمه أو يسجن، وقال أبو محمد‏:‏ في قوله‏:‏ يتحالفان‏:‏ إنما يعني‏:‏ أن المبتاع وحده يحلف، فإذا حلف بريء، قال محمد‏:‏ فإن كان المدعى عليه الشراء بعيد الغيبة فللشفيع أخذ ذلك ويدفع الثمن للبائع إن لم يقر بقبضه ولا عهدة على البائع إلا في الاستحقاق، ويكتب العهدة للغائب في كل شيء؛ فإن قدم الغائب فأقر كتبت عليه العهدة، وإن أنكر حلف ورجع الشقص على بائعه، قال محمد‏:‏ وأحب إلي أن لا يرجع على البائع إذا رضي أن يأخذه بغير كتابة عهدة، ولكن يشهد على البائع بقبض الثمن، وتلزمه عهدته فقط، وقال احمد بن ميسر‏:‏ إذا لم يثبت البيع إلا بإقرار المتبايعين فلا شفعة‏.‏

فرع‏:‏

في النوادر‏:‏ قال عبد الملك‏:‏ إن اشتراه بدين شفع على البائع كان للمشتري، فالشفعة بقيمة الدين عرضا نقدًا يدفعه الآن، لأن الدين عرض من العروض، وكذلك إن لم يقم الشفيع حتى حل الدين فلا ينظر في وقته بعد الاستشفاع، وعن سحنون‏:‏ يقوم الدين بعرض، ثم يقوم العرض بعين، فيأخذ بها، وعن مالك‏:‏ لا يأخذ إلا بمثل ذلك الدين، وكذلك إن كان البائع عديمًا بذلك الدين لأن القيم في العروض لا في النفدين؛ فإن كان حالًا أخذ به حالًا، أو مؤجلًا فإلى أجله، قال أصبغ‏:‏ إنما يشفع بمثل الدين نقدًا إلا أن يكون يهضم له فيه هضمه بينه فيأخذ بقيمة الشقص، قال مطرف‏:‏ بل يشفع بجميعه وإن كان يهضم فيه، قال عبد الملك‏:‏ فإن اشترى بكتابة مكاتب فبقيمة الكتابة عرضًا يقوم على أنه يعجز أو يؤدي؛ فإن عجز فهو رقيق لبائع الشقص‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا اشترى بكف من الدراهم لا يعرف وزنه أخذ بقيمة الشقص وتبطل الشفعة، كما لو جهل الثمن بالكلية‏.‏